يبدو أن الرئيس الرنسي المنتخب يعاني أزمة التشكيل الحكومي، فعليه أن ينجح على مختلف الصعد الداخلية والخارجية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وعليه في الوقت نفسه ارضاء محتلف التيارات السياسية والفكرية الداخلية كما عليه مواجهة تحديات النظام الدولي الجديد الذي ارتسم في الافق وتخلفت فرنسا عن مواكبته كما يليق بدولة حرة قوية وصاحبة قرارها الحر الذي يعبر عن مصالحها ومبادئها.
فالتشكيل الحكومي الذي سيظهر في 16 الشهر الجاري اي بعد اقل من 24 ساعة
من تسلم فرانسوا هولاند مهامه الرئاسية سيأخذ بعين الاعتبار مجموعة عوامل داخلية فرنسية واوروبية ودولية. فالرئيس هولاند عليه أن يرضي مختلف أطياف اليسار والوسط الفرنسي لتحقيق أكبر اجماع على قراراته السياسية، الداخلية والاقتصادية على وجه الخصوص.
وعلى هذا الصعيد تبدو التحديات كبيرة أكثر من تحديات العلاقات الدولية والأوروبية وتصحيح المسار الذي وضع فيه سلفه فرنسا. فالوضع الداخلي والاقتصادي والاجتماعي كما يرى هولاند وفريقه يتطلب عناية فائقة اثر التدهور الاقتصادي والقطيعة الاجتماعية التي احدثها ساركوزي في بنية المجتمع الفرنسي. وبالتالي فعليه اعادة ترميم شاملة بما يتوافق مع معطيات الأسواق الجديدة. لكن مقربين من الرئيس هولاند يرون أن اليسار الفرنسي قد أعد خطة شاملة للانقاذ في فرنسا وبالتالي يبقى التنفيذ وهو ما يتطلب دقة وعناية كما أن اليسار عامة قد اتفق مبدئيا على العديد من وزارات الخدمات وبالتالي لن يكون هناك أي مشكلة في هذا الصدد.
المشكلة التي يعانيها هولاند هو في مسألتي السياسة الخارجية الفرنسية والدفاع. فهذان الشأنان كانا سرا لا يملك الفريق الجديد كافة معطياته رغم أنهم يعتقدون أن خللا استراتيجيا واضحا قد ظهر في هذين الملفين وأن الحراك الفرنسي الخارجي لم ينسجم مع المباديء ولا المصالح الفرنسية ولا الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية الفرنسية والدبلوماسية منها.
لذا يرى أحد أقرب المقربين من هولاند أن الرئيس سيعاني كثيرا في هذا الملف ان لناحية تعيين الوزراء المعنيين أو لجهة وضع السياسة والدبلوماسية الفرنسية على الخط مجددا. لكن المصدر الفرنسي يؤكد أنه كائنا من كان وزير الخارجية والدفاع فإن التغيير الجذري حاصل لا محال لتعلقه بشكل كبير بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا.
لكن رغم ذلك فإن إسم الوزير غير محسوم لكونه متعلق بالشخصية المقبولة في الداخل والخارج والشخصية القادرة على اقناع شركاء فرنسا الأساسيين ومعرفة من هم شركاء فرنسا الحقيقيين.
ورغم أن ضغوطات هائلة يمارسها اللوبي الصهيوني في فرنسا داخل الحزب الاشتراكي وخارجه. وفي أوروبا كما في الولايات المتحدة الأميركية. إلا أن هذا اللوبي قد أخطأ التقدير منذ البداية فقد منح ساركوزي ٩٣ ٪ من أصوات الناخبين الفرنسيين مزدوجي الجنسية في آسرائيل و ٥٦ ٪ من الناخبين المقربين من معسكر الاستسلام للصهيونية في لبنان كما أن آخر دراسة خرجت للعلن تقول أن هذا اللوبي قد لعب دورا أساسيا في صمود ساركوزي للدورة الثانية وبالتالي أفقد حلفاءه في الحزب الاشتراكي قوة الاقناع لرفاقهم الاشتراكيين. لتأتي حادثة طرد أحد قادة الحزب الإشتراكي من مقر الحزب على يد صديقة هولاند لتؤكد مدى غضب هولاند على أصدقاء اسرائيل والولايات المتحدة في الحزب الاشتراكي مما حرم مرشحو اللوبي الصهيوني لوزارتي الخارجية أو الدفاع من هذا المنصب المفصلي.
إذا فتطورات النقاش داخل الحزب الاشتراكي واليسار عامة تسير باتجاه معاكس لما كان ممكنا قبل المعركة الرئاسية الفرنسية خاصة بعد أن تأكد أن الوسط الفرنسي سيكون جزءا من التركيبة الحكومية وهذا الوسط معروف بعدم حماسه لعلاقات مميزة بين فرنسا والكيان الصهيوني ولا لعلاقة تبعية مع الولايات المتحدة الأميركية.و إذا كان هولاند بوارد حفظ "شعرة معاوية" مع اللوبي الصهيوني حفاظا على وحدة الحزب الاشتراكي تحديدا، فإن خياراته كثيرة منها ان يأتي بوزير من "غير المغضوب عليهم" ولكنهم ايضا من غير دعاة الأطلسية والتبعية للولايات المتحدة وشعبها المختار ووعودها التلمودية والعرقوبية.
وبات واضحا حسب المصادر القريبة من هولاند أن التغيير في السياسة الخارجية لفرنسا أو ما اسموه" فرنسة المصالح" الفرنسية سيكون أسرع من المتوقع قبل الفوز بالرئاسة. وتقول المصادر الاشتراكية أن المصالحة السياسية مع روسيا والصين وتحييد المانيا وبريطانيا ستكون اولوية لهولاند وهو ما سيخرج به في أول تصريح يطلقه من برلين التي سيزورها في اليوم الأول لتسلمه مهامه الرئاسية.
هذا الوضع الجديد سيكون له انعكاساته المباشرة على العديد من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وخاصة على الملف المفصلي في سوريا حيث تقول المصادر أن كلمة السر الأميركية قد أعطيت لمجلس اسطنبول باختيار واجهة أخرى غير برهان غليون الذي لا يمكن اخفاء ارتباطه الاساسي بالجناح الأميركي في الأجهزة الفرنسية وينصح محركوا مجلس اسطنبول باختيار واجهة شيوعية وإذا أمكن مسيحية لهذا المجلس لتمكين هولاند من التعامل معه وفق الحد الأدنى.
ويبدو واضحا أن آل ال سعود وآل الثاني يتخوفان من ان يبقيا وحيدين في دعم الارهاب الذي لن يكون له اسم آخر غير الارهاب الوهابي والذي سيكون له انعكاسات خطيرة على الوضع الداخلي في العائلتين الوهابيتين اللتين تعانيان من أزمات كثيرة وتحتاج إلى مخاضات ديمقراطية وأخلاقية ووطنية تبعد الكأس الدامي عن الجزيرة العربية. خاصة أن العقدين اللذين اسسا مملكة آل سعود وآل ثاني قد انتهى مفعولهما في النظام الدولي الجديد الذي يرتسم واضحا والذي قد يعرف الغرب والولايات المتحدة التعامل معه بواقعية سياسية بينما لا يبدو واضحا إن كان الوهابيون يستطيعون ذلك.