الجلسة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن الدولي حول الأزمة السورية كانت فاضحة وليست فضيحة. ولا يبدو أن أي عاقل بحاجة إلى أكثر مما جرى فيها ليتأكد أن المسألة ليست مسألة ثورة تدغدغ شعاراتها وضروراتها نفوس التائقين إلى عالم أفضل. بل بات واضحاً ما لا يقبل أي تشكيك بأنه منذ البداية أن هذا المجتمع الدولي يريد رأس سورية وقلبها وليس رأس النظام وقلبه.
بعد جلسة الكذب والنفاق والرياء التي كان أبطالها جوبيه وكلينتون وشهودهم بالزور من جامعة الفتنة العربية عادت الأسئلة تطرح من جديد:
طالما أنهم يعرفون أن لا قرار سيصدر لماذا لجئوا إلى ديوان النفاق هذا؟ طالما أنهم يقررون ما شاءوا ما لهم لجر هذا الكم من الوزراء؟
في باريس كان معلوما مسبقاً أن وزير خارجية ساركوزي فقد كل أمل له بنجاح مخططه قبل رحيله في شهر أيار المقبل يخطط لإقامة حشد دولي من الوزراء في نيويورك وإقامة «همروجة» إعلامية على نفقة الغاز القطري تشكل مجالا ربما لصفقات سياسية متعددة دفعة واحدة. صفقات تشكل خطاً خلفياً للتراجع أو لمعاودة الحملة.
وزير الخارجية الفرنسي كما ممثلي مجلس الفتنة العربية كان اضطرابهم واضحاً للغاية ومنفعلين وبدوا الأكثر نفاقاً وكذباً بين الحاضرين، لم يتركوا مسألة إلا كذبوا بها وغشوا وخدعوا واستهزؤوا بعقول الحاضرين والغائبين والمغيبين.
الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للسيدة كلينتون التي عبرت بوضوح عما تحلم به لسورية، فتن وقتل ودمار وحروب لا نهاية لها.
وطالما أنهم يعرفون أن مشروعهم لن يمر باسم مجلس الأمن الدولي فلم هذه الهمروجة هل فقط لتوريط بعض الآخرين في شهادة زور وإفسادهم وفق قوانين المافيا؟
بعض المراقبين الفرنسيين يعتقدون أن جوبيه أراد تحويل الأزمة السورية إلى بند في الانتخابات الفرنسية المقبلة لصالح ساركوزي وإغراء الغاز القطري ليصب كله في الأنبوب الساركوزي بعد أن فتح منافسوه الاشتراكيون ثغرة فيه وبدؤوا مباحثات مع المرشح المنافس فرانسوا هولند الذي انتدب بدوره رئيس الوزراء السابق لوران فابيوس لهذه المفاوضات الغازية جداً كون فابيوس، اليهودي الأصل، يتقن مثل هذا النوع من التفاوض. مفاوضات تجري على قاعدة تأمين استمرارية المشاريع المشتركة.
البعض الآخر يعتقد أن جوبيه أراد إيجاد مخرج له في مجلس الأمن ليغسل يديه من الفشل في مشروعه ووعوده للموعودين الجدد.
ومهما كان الأمر فإنه بالتأكيد لا عودة إلى ما قبل «قرارات» جامعة الفتنة العربية و«خطابات» نيويورك على مستوى العلاقات الدولية والعلاقات الإقليمية والعلاقات العربية العربية.
فالمسألة السورية آيلة إلى الحل المطلوب داخليا عبر سلسلة إصلاحات على كافة المستويات، بطيئة أم متسارعة، والحل السوري هو الحل الوحيد القابل للحياة عبر الحوار وإرادة الإصلاح والتطوير. وبالتالي لابد مستقبلاً من استعادة الحياة الطبيعية على كافة المستويات. لكن الأمم الحية تعرف كيف تستفيد من دروس التاريخ وسورية محور حركة التاريخ.
لكن الأمم الحية أيضا، بقدر ما تستطيع التجاوز والصهر والاحتضان بقدر ما تستطيع أن تلفظ من جسدها المفاسد.
بالتأكيد ما يحصل في سورية نقطة تحول إستراتيجي إن على المستوى الداخلي أو الخارجي فلا شيء سيكون كما كان سابقاً. وأسابيع قليلة هي التي تفصل بين الماضي والمستقبل الواسع.
وإذا كان جوبيه وعرب الفتنة قد كذبوا إلى هذا الحد فهل يعتقد الموعودون الجدد أنه كذب كرمى لعيونهم؟ أو يعتقدون أنه سيكذب على كل الناس ويستثنيهم؟ وهل يعتقدون أن الفرنسيين الطيبين يصدقونه؟