لا يمكن المرور على ما جرى في مجلس الأمن مروراً عابراً، فما حصل يتجاوز بكثير الأزمة السورية «العابرة» ويفتح الطريق إلى تغيير جذري في الواقع الدولي والإقليمي على المستويات كافة. ولا يمكن اعتباره انتصاراً محدوداً بظروف الأزمة السورية والنظام السوري، إن كانت هذه الأزمة قد عجلت بتمظهره بشكله الواضح.
فهذا الاعتبار يشكل التفافاً على الانتصار الذي تحقق في نيويورك. فالمسألة تتعدى حدود سورية السياسية إلى حدود النظام الدولي الذي سيحكم العلاقات الدولية مستقبلاً. بعض الأوروبيين يخفون ارتياحهم لهذه النتيجة التي أسقطت عن كاهلهم عقدة الخوف من الضغوط الدائمة التي كان يفرضها النظام الدكتاتوري الأميركي الذي ساد العالم منذ نهاية الثمانينات. والبعض الآخر من القياديين الأوروبيين حالياً قرأ التغيير بعيون مصالحه الشخصية وتجاوز مصالح بلاده الإستراتيجية
. وبعض العرب الذين عاشوا في كنف التسلط الأميركي الغربي والذين بنوا كل مواقعهم القيادية على هذا التسلط وارتهنوا له ولم يحسنوا قراءة التاريخ والجغرافيا إضافة إلى أميتهم في الأدب والفن والحضارة وظلاميتهم في الدين والثورة ودولهم إنما أنشئت على قاعدة الدول الوظيفية والدول التوابع من يقرأ علمياً مدى تطابق مواصفات وصفات الدولة مع مواصفات وصفات وتعريف الدولة ككيان سياسي وحقوقي لا يرى أي رابط ولا تنطبق على دولهم أي من الصفات والمواصفات والمعايير. وبقي هذا الواقع الدولي سائدا طالما أن منطق الامبرطورية هو السائد عند الدول الكواسر.
لكن يبدو واضحاً، من خلال ما جرى في مجلس الأمن ومناقشاته حول الأزمة السورية أن الأمر لم يعد كذلك وأن ثمة تغييراً جذرياً وتاريخياً في بنية النظام الدولي الجديد. فصفة أو تعبير المجتمع الدولي الذي كان يستخدم كتعبير عن الأمم الكواسر قد سقطت تماماً وتم التعبير عن هذا السقوط باليدين الروسية والصينية اللتين ارتفعتا لتقولا : لا، اللعبة انتهت GAME OVER - ИГРА СВЕРХ - SPIEL VORBEI - JUEGO ENCIMA
اللعبة انتهت وانتهى معها كل الذين اعتاشوا منها ومن اللاعب الوحيد في الساحة الدولية. اللعبة انتهت وسيكون لانتهائها تداعيات كثيرة لا تحصى، تداعيات بحجم المآسي التي كانت سبباً أساسياً لها على مستوى العالم من كل محيطاته إلى كل خلجانه. اللعبة انتهت ولا عودة إلى ما سبقها أيضاً فلا آحادية ولا ثنائية بل «ديمقراطية» على المستوى الدولي. وقال لي أحد الاحصائيين الفرنسيين إن الذين يطالبون بالديمقراطية عليهم أن يحصوا تعداد شعوب الدول التي صوتت بلا في مجلس الأمن والدول التي تصوت لا للآحادية الأميركية منذ سنوات، عندها نعرف أن العالم بغالبيته يقول لا، وأن يحصوا أيضاً كم نسبة الفرنسيين والأميركيين والألمان الذين يوافقون على سياسة بلدانهم الخارجية خاصة بشأن الشرق الأوسط. إذاك نعلم أن اللعبة انتهت ديمقراطياً. اللعبة انتهت في الشرق الأوسط، كبيره وصغيره، وستسقط معها كل الثورات المضادة التي قادتها هذه اللعبة. بدءاً من الانقضاض على الثورة في تونس ومصر وأوقفت مفعولها الحضاري ولم يبق منها إلا الدم والخراب والظلامية والتسويات والمساومات. انتهت اللعبة وانكسر الدف وتفرق العشاق على أبواب دمشق وفي لحظتها التاريخية، ولكن قضيتها لم تنته بعد. فالكثير الكثير مما كان في سورية كان نتاج ضرورات فرضتها اللعبة التي انتهت وحان وقت إزالتها. اللعبة انتهت لكن فلولها باقية وبأشكال مختلفة وقد يمضي زمن قبل أن تنتهي. فلول اللاعبين كثيرة ومتعددة ولا تنحصر بالعصابات المسلحة بل أيضاً بالعصابات الممولة التي أنزلوها على أرض العرب فدمروا البنى والإنسان وتحكموا بالعباد عبرهم.
ومهمة إنهائها مسؤولية حضارية وتاريخية على المستوى الدولي أيضاً وخاصة على أبناء أمهات الحضارة السورية الحضارة الحاضنة والصاهرة.
شكراً لروسيا المتجددة، شكراً للصين المتجددة، شكراً لثوار سورية الحقيقيين، كلام واجب وعرفان تاريخي. لكن بعيداً من تعابير الشكر.