لم يكن الفيتو الصيني في مجلس الأمن نزوة عابرة بتأثير روسي بل نتيجة تجربة طويلة وقاسية. كان الدافع الأساسي له همّ دعم تحقيق القانون الدولي. يضع البروفيسر لي كنغسي هذا الهمّ في سياقه التاريخي القريب (تبدّل الأنظمة المبرمج في دول شمال إفريقيا) وسياقه التاريخي العريق في القدم (العلاقات الصينية الأميركية الشائكة).
لم يكن الفيتو الصيني في مجلس الأمن نزوة عابرة بتأثير روسي بل نتيجة تجربة طويلة وقاسية. كان الدافع الأساسي له همّ دعم تحقيق القانون الدولي. يضع البروفيسر لي كنغسي هذا الهمّ في سياقه التاريخي القريب (تبدّل الأنظمة المبرمج في دول شمال إفريقيا) وسياقه التاريخي العريق في القدم (العلاقات الصينية الأميركية الشائكة).
بعد استخدام كل من روسيا والصين حق الفيتو في مجلس الأمن في وجه قرار بحقّ سوريا في 4 شباط (فبراير) صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة من قبل أكثرية أعضائها على إدانة العنف في سوريا وذلك في 16 شباط (فبراير). على الرغم من أن الإدانة ليست ملزمة بأي شكلٍ من الأشكال إلا أنها ترفع منسوب الضغط على الحكومة السورية وقد تشكّل المدخل لتدخلات خارجية في سوريا في المستقبل.
الصراعات الطائفية والعوامل الجيوسياسية وبوجه خاص مبدأ "فرّق تسد" الذي يعتمده الغرب، جميعها عناصر ساهمت في تقوية التناقضات والصراعات في العالم العربي في الوقت الذي سمحت فيه الخلافات الداخلية في المجتمع السوري بإعطاء ذريعة للغرب للتدخّل أكثر في هذه المسألة.
ليست الأزمة السورية الحالية مجرّد صراع من أجل حقوق إنسانية مشروعة كما يحاول الغرب تصويرها. فالغرب يريد في الواقع استبدال النظام الحاكم في سوريا بنظامٍ موالٍ له. إذ تشكّل سوريا معضلة شائكة في وجه استراتيجية الغرب تجاه الشرق الأوسط بسبب علاقاتها الوثيقة مع كل من إيران ولبنان المقاوم المعاديان للولايات المتحدة الأميركية.
من جهتها وبهدف لعب دورٍ أكبر في الشرق الأوسط أبدت جامعة الدول العربية استعدادها لتبني استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة. بعد حلّ الأزمة السورية بطريقة غير سلمية سيستهدف الغرب دون أدنى شكّ إيران.
لا يعني الفيتو الصيني أن بكين تدعم النظام في سوريا ولا أنها تتجاهل المعارك الدموية بل يعني أن بكين لا تريد أن ينتهي الأمر بسوريا كما حصل مع ليبيا التي وقعت في نهاية المطاف في براثن الحرب الأهلية.
كعضو دائم في مجلس الأمن تحمل الصين على عاتقها مسؤولية وواجب الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان وهي ملزمة بالتعاطي مع جميع المسائل الدولية وفقاً لأخلاقيات هذه المواثيق لذا يجب عليها أن ترفض أية قرارات تتناقض مع ميثاق المؤسسة الدولية وأهداف تأسيسها.
إذا كانت الصين تعلم بأن هذا القرار سوف يمسّ بسيادة البلاد ويكون ظالماً بحقّها وتقف مكتوفة الأيدي تكون بذلك قد أساءت استخدام الصلاحيات الممنوحة لها ضمن المؤسسة الدولية.
يظهر رد فعل الغرب الغاضب على الفيتو الروسي والصيني النوايا الحقيقية للغرب ومحاولته السيطرة على الشرق الأوسط والتوحّد في اتخاذ القرارات في الأمم المتحدة التي حاول أن يخفيها وراء ادعاء حماية الحقوق الإنسانية في سوريا.
شهد العالم الكثير من الحروب التي خاضتها القوى الكبرى والاجتياحات لبلدانٍ مستقلّة ومقتل الكثير من المدنيين بذريعة حماية حقوق الإنسان. تظهر التدخلات العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة أن الغرب وفي الوقت الذي يرفع فيه عالياً راية حماية الحقوق الإنسانية يسعى في الواقع إلى تحقيق مصالحه الخاصة الإقليمية والعالمية.
سواء في البلدان التي تمّ اجتياحها بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية على الأراضي الأميركية أو في بعض الدول الإسلامية التي تعرّضت للـ "الثورات الملوّنة" العام الفائت يبقى الواقع الوحيد أنه بدل حماية الحقوق الإنسانية أدّت الاجتياحات والثورات المذكورة إلى تدهور الوضع الإنساني والاستقرار الداخلي في هذه البلدان.
تظهر التجارب السابقة أنه منذ الحرب الباردة وأياً كانت الخلافات فيما بينها إلا أن الدول الغربية تضرب بيدٍ واحدة حين تواجه دولة غير غربية. حتى في عصر العولمة هذا ما زال الخط الفاصل بين العالم الغربي والعوالم غير الغربية واضحاً جداً.
لأسبابٍ عملية وتاريخية بقي التوازن بين الدول الغربية وبالتحديد الولايات المتحدة والعالم غير الغربي مفقوداً. وكما تؤدي السلطة المطلقة دون رقيب أو حسيب داخل دولة ما إلى الفساد والظلم كذلك يؤدي تمتّع أية دولة على المستوى العالمي بقوة لا تواجهها قوة مقابلة إلى تسلّط هذه الدولة وانعدام الرحمة لديها الأمر الذي يهدّد الاستقرار في العالم أجمع.
بعد الحرب الباردة تمكّنت الولايات المتحدة بشكلٍ أو بآخر من فرض هيمنتها على الأمم المتحدة لتتمكّن عبرها من قمع المجتمع الدولي. حدث ذلك في الوقت الذي لم تعد الدول الصغيرة والوسطى تجرؤ على التعبير عن امتعاضها.
تظهر ردّة الفعل الأميركية الهيستيرية على الفيتو الصيني أنها لم تتقبّل التغيّر الذي طرأ على الصين. ففي الوقت الذي عادت فيه دبلوماسية الزوارق الحربية إلى الواجهة ولو متنكّرةً باتت المقاربة الدبلوماسية المضبوطة تبدو في غير مكانها.
إذا تمكّنت كل من الولايات المتحدة والصين من التعايش سيكون ذلك حدثاً تاريخياً غير مسبوق. لكن تاريخ العلاقات الصينية الأميركية يظهر أن مثل هذا التعايش أو التعاون لا يمكن أن يحصل عبر التنازلات والمطالب المتبادلة ولا يجب أن نتوقّع تحالفاً يفوز فيه الطرفان بمجرّد تمني ذلك.
السعي إلى المواجهة ضمن حدود عدم قطع العلاقات لن يكون كافياً إذ يجب أن تدرك الصين أنه فقط حين نصبح على استعداد لدفع ثمن قطع العلاقات حينها فقط سنتمكّن من مقارعة التنين دون أن يقطع علاقته بنا.
مهما كانت الأوضاع الخارجية صعبة لن تتوقف الصين عن التطوّر والنموّ. لن يحصل ذلك قبل أن يتوقف الدبلوماسيون عن الدعوة إلى "الحديث من القلب" وليس قبل أن يتمكّن الـ 1.3 مليار صيني من الشعور بأنه ليس من السهل إلحاق الأذى بهم وليس قبل أن تتمكّن الصين من الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة وقوانينها والسلام العالمي والعدالة الدولية بالأفعال وليس بالأقوال.
كعضو دائم في مجلس الأمن يجب أن تتصدى الصين لمسؤولياتها العظيمة في الحفاظ على السلم العالمي. في سبيل الحفاظ على وحدة المجتمع الدولي تمنّعت الصين مراراً عن استخدام حق الفيتو الذي استحقّته.
كعضو في المجتمع الدولي تدرك الصين أنها لا تستطيع تحقيق مصالحها الخاصة دون التعاون مع العالم الخارجي. لكن سوف تحذر الصين كذلك من هذه الدول الغربية التي تتمادى في تصرّفها. لأن الصين تعرّضت لاجتياح الدول الغربية في الماضي تدرك المعاناة التي يولّدها مثل هذا التعدي على السيادة. لذا لن تكرّر الصين الصاعدة أخطاء الآخرين لأن أبناء الصين يؤمنون بأن ما لا تريده لنفسك لا يجب أن ترغب بحصوله للآخرين.