لا ألتقي صديقاً في فرنسا أو في الشرق إلا ويسأل عن «سر» الموقف الفرنسي مما يحصل في الشرق عامة وفي سورية خاصة؟
وهذا الموضوع هو الأكثر إثارة للتساؤل في جميع الأوساط السياسية الدولية والإقليمية فلكل دولة متورطة في الأزمة السورية أو في الرمال السورية المتحركة مبرراتها ومشاريعها التي كانت واضحة منذ زمن بعيد.
ووحدها القيادة الفرنسية الحالية بدت الأكثر تورطاً في كل الأعمال العدائية ضد سورية أمنيا وسياسياً وإعلامياً وربما اقتصادياً. فكل المعلومات تؤكد هذا التورط والتوريط إلى درجة اللجوء إلى الوقاحة والرعونة غير المألوفة في الدبلوماسية الفرنسية أو التعاملات الفرنسية عبر تاريخها الطويل، إن عبر التصاريح أو الأفعال العلنية و«السرية» التي لم تعد سرية رغم نكران أو تنكر القيادة الفرنسية.
ورغم أن ثمة من يقول في باريس إن موقف بعض القيادة الفرنسية من سورية، في نهاية عهدها، عائد لضغوط بعض العرب، الذين ذهبوا في عدائيتهم لسورية إلى ظهورها وكأنها قطيعة نهائية مع العروبة ومع أي احترام لمشاعر شعوبها وتطلعاتهم. فإن بعض الفرنسيين العاقلين يرون أنه للمرة الأولى في تاريخ فرنسا يستطيع فيه العرب الضغط على فرنسا، حيث كان الضغط حكراً على إسرائيل، ويعزون ذلك إلى سببين اثنين: الأول هو أن الضغط العربي على فرنسا حول الموضوع السوري هو استكمال للضغط الإسرائيلي عليها ويدخل ضمن المشروع الإسرائيلي نفسه. وثانيا هو وقوع هذه القيادة الفرنسية تحت المغريات المالية التي تقدمها دول البترو-دولار سواء للشخصيات القيادية الفرنسية أو لبعض الشركات الفرنسية الكبرى التي تصنع القرار السياسي في باريس في ظل نظام أقامه ساركوزي، نظام لا يرتكز على أي من القيم التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية ولا على الديغولية التي وسمت السياسة الخارجية الفرنسية.
وتكر سلسلة الأسئلة عن سبب هذا الحقد العربي على سورية، عن هذا الثمن الذي يدفعه بعض العرب من مال كل العرب لمصلحة مشروع ليس مشروعهم وثمنا للتدمير الذاتي، فلا يجدون جواباً إلا في تاريخ هؤلاء «العرب» السياسي والاجتماعي والثقافي. فيرتد السؤال صدمة مدوية، إن كان هذا هو تاريخهم وحاضرهم الذي تعرفونه وتعرفه أقبية اللذة في باريس ولندن فلم العجب؟!
العجب أن تكون فرنسا أسيرة كل هؤلاء من متصحرين وتلموديين وتكفيريين ومستعمرين جدد في قراراتها وموقعها. في حين كل أبواب الشرق وكل المشارق مفتوحة لنظام دولي أكثر عدلاً وقوة وأكثر قرباً من القيم الإنسانية.
وإذا كان بعض العرب لا يقرأ التاريخ والمستقبل فلماذا لم تقرأ القيادة الفرنسية أن ثمة متغيراً كبيراً وجذرياً في سورية وعبرها وليس من مصلحتها دفن رأسها في الرمال ولا في تشويش وتشويه عقول مواطنيها فهي لا تدعم ديمقراطيين في سورية بل تدعم تكفيريين وسلفيين ومرتزقة. وهي لم تساعد السوريين على إتمام عملية إصلاح جذري بل على العكس ساهمت في عرقلة هذا الإصلاح الذي يسير رغما عنها. والقيادة الفرنسية الحالية لم تكن شفافة مع شعبها بل إنها تكذب عليه كما لم يفعل أي نظام ظلامي في العالم.
وفرنسا لم تقرأ أن ثمة نظاماً دولياً جديداً مختلفاً كفيلاً أن يحررها من أحادية القرارات إلى رحابة الخيارات الحرة.
إدارة الولايات المتحدة الأميركية فهمت ذلك فتعاملت بخبث مع المسألة، كعادتها، ودفعت الآخرين نحو الخطيئة كعادتهم أيضاً.
وفرنسا لم تقرأ أن الإصلاح في سورية لا يحتاج إلى أعداء بل أصدقاء فاختارت خندق الأعداء. ولعبت الدور القذر الذي ليس لشعبها أن يتحمل وزره.
أوليست باريس أجمل كشريكة في بناء الديمقراطية السورية الحديثة التي بدأت في دمشق من باريس الكاذبة والأسيرة والرهينة؟
أوليست باريس الشريكة في حوار الياسمين أجمل من باريس المبعدة القابعة في زاوية المستقبل؟