في البدء اعتذر إن كان ما سأكتبه ليس فيه الكثير من الدبلوماسية ففي غياب الدبلوماسية وأخلاقياتها وديونتولوجيتها لا حاجة للغتها. فليست المرة الأولى التي يكذب بها وزير الخارجية الفرنسي وليست المرة الأولى التي يزوِّر بها الوقائع والحقائق. وليست المرة الأولى التي يضغط بها على موظفيه ومن هم تحت سلطته ودفعهم للكذب والتزوير. فقد فعل ذلك كثيراً عبر حياته السياسية في فرنسا وحوكم وحكم عليه بهذا الأمر وكان الأمر يقتصر على مصالح سياسية محلية ومصالح شخصية وكان ربما مدفوعاً ممن كان هو تحت سلطتهم. لكن في الملف السوري يبدو الأمر مختلفاً فهو كذب وزور وأمر واستعمل التزوير مراراً منذ بداية الأزمة وضحايا كذبه وتلفيقه وتزويره كثر أولهم المواطن الفرنسي نفسه الذي كان بعض ماله في السابق محل كذب وتزوير جوبيه واستحق حكماً قضائياً بالإبعاد عن الحياة السياسية وبعض سنوات من السجن على سجله العدلي.
أما اليوم فإن ضحايا جوبيه كثر أولهم المواطن الفرنسي صورة وثقافة ومالاً. وثانيهم المواطن الأوروبي والحكومات الأوروبية التي تنجر وراء أكاذيبه وتظهر بمظهر البلهاء الذين يسلمون قرارهم ومستقبلهم للكذبة والموتورين والمزورين. وثالثهم المواطن السوري والعربي الباحث عن الحقيقة ليبني عليها مستقبله لا عن كذبة كبرى أودت به إلى هذه الحالة. وهنا المقصود المواطن الذي يريد وطناً ودولة عادلة تعبر عنه وعن هويته وتحمي مصالحه لا الباحث عن ملء حساب مصرفي.
وبالتأكيد ما يمارسه وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه يمكن وصفه بالجريمة التي يلاحقها القانون في أي بلد حر وتحديداً في فرنسا.
وهذا الأمر يبدو أنه ينطبق على مجموعة كبرى من وزراء الخارجية العرب والأجانب. وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً عن حقيقة ما يريدونه من حملتهم على سورية وهل ازداد منسوب الغباء عند هؤلاء المسؤولين أم إن منسوب الجريمة في دمهم هو الذي ازداد؟ أو إن الأمر وصل بهم إلي هذا الحد في استغباء الناس والعقول في الشرق والغرب؟ في جميع الحالات لا بد من وضع حد إلى هذا الازدياد المرضي في نسب الغباء الإجرام والاستغباء.
في باريس عاصمة التآمر على سورية وليس على نظامها السياسي يبدو أن التغيير قادم فإرهاصات التغيير في مواقف الرأي العام واضحة جداً وتراجعت نسبة العداء في الخطاب الشعبي وخاصة عندما نرى أن لدى السوريين المقيمين فيها والذين هللوا للثورة في البداية حالة إحباط من تحول ثورتهم إلى مطية ووعيهم أن الأمر تحول إلى صراع على السلطة والمال داخل المجالس المصنعة أوروبياً وأميركياً وإسرائيلياً ونفطياً أو حول المطالب التي انحسرت لتتركز على منافع في السلطة لا منافع للشعب السوري.
وبات واضحاً غياب البوصلة وغياب المنطق في طروحات وتصريحات المسؤولين الغربيين والأميركيين والنفطيين والتي بدت بشكل واضح في موقفهم من مبادرة كوفي أنان حيث يودون أن يكون شاهد زور أيضاً كما فعلوا باللواء الدابي معتقدين أن الأفارقة ما زالوا عبيداً.
وإذا كان تاريخ سورية القديم وتاريخ الفكر الإنساني القديم قد بدأ بأسئلة طرحها السوريون يوماً أدت إلى وضع أسس الفكر الإنساني عامة فإن أمام السوريين اليوم تحدي إعادة طرح الأسئلة والبحث عن إجابات لها لإعادة الانتظام إلى حياتهم الفكرية والسياسية وعدم انتظار إجابات مبنية على أكاذيب وفبركات تشوه الوجدان والأديان.
هذه الأسئلة وإجاباتها ليست صعبة على ما يبدو وكل ما تتطلبه هو العودة إلى أصول الأزمة لا متفرعاتها. وهو النظر بموضوعية وصدق وشفافية مع الذات لا اللجوء إلى خطاب كاذب وإشاعات.
لقد حان وقت السؤال والبحث بجدية وعمق عن إجابات فلا يكفي أن نهلل لهزيمة المشروع الغربي-الإسرائيلي- النفطي أمام صمود سورية وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات المرحلة. فالانتصار ليس لحظة بل هو سيرورة ولا يجوز القول إن من صمد وانتصر هو ما كان بل إن من انتصر هو قدرة السوريين وإرادة السوريين بالتغيير والإصلاح والتطوير بلا وصاية ولا استقواء بالأجنبي.
وقد حان الوقت أيضاً لمن أراد التغيير والإصلاح والديمقراطية في سورية أن يلتحق وبطريقة حضارية بورشة الإصلاح والتغيير والتطوير. لقد حان وقت الفرز الموضوعي بين الثائر والخائن بين أصحاب النيات الحسنة وبين المتسلقين على دماء الشعب السوري بمدنييه وعسكرييه