هي ربما مصادفة لا أكثر أن يكون السابع من أيار حاملا للعديد من المؤشرات السيئة لنيكولا ساركوزي وحاشيته بل لكل رموز المشروع الذي أتى به رئيساً لفرنسا منذ خمس سنوات.
فقد خرج ساركوزي مهزوما من معركة انتخابية ضارية استخدم فيها كل الأسلحة المحرمة فرنسيا وسياسيا ودبلوماسياً، وبعد أن استنزف كل طاقات اللوبي الصهيوني، ليس في فرنسا فحسب بل أيضاً في العالم وفي الصحراء العربية. وكان سقوطه مدويا حيث يبدو واضحاً أن حلما صهيونيا بأكمله قد سقط ولن يستطيع خليفته مهما حوصر بخلايا الصهيونية النائمة في اليسار الفرنسي من إنقاذ هذا المشروع.
اسقط الشعب الفرنسي رئيساً خان مصالحه ومبادئه لصالح مشروع لا علاقة لفرنسا ولا مصلحة لها به، فسخًر البنى الاقتصادية الفرنسية وزجها في معارك نفطية وغازية في شاطئ العاج وليبيا وفي بابا عمرو وإدلب وتحالف مع الظلاميين وهو رئيس لبلد الأنوار وتآمر مع إدارات شركات النفط في قطر والخبر. وزج بجيش فرنسا في أفغانستان كمرتزقة لدى حلف بلا هوية ولا مستقبل بل حلف تاريخه اسود وحاضره اسود ومستقبله أكثر سوادا.
في السابع من أيار بات ساركوزي خارج اللعبة السياسية وخارج الاليزيه، يبحث عن ملجأ وليس بالضروري أن يكون شرعيا. وفي اليوم ذاته خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ظل الكرملين إلى القصر مجدداً حاملا مشروعاً واضحاً ومنهياً مرحلة كاملة من تاريخ اسود للإنسانية. كان ساركوزي يعتقد أنه سيفرض أمرا واقعا على العالم بسلسلة انتصارات إرهابية كما فعل أسلافه الهاغاناه والاراجون مستنسخا إياهم على الأراضي السورية تحت جناح تصدير الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التي لم نر تطبيقاتها في الأمكنة التي تئن وتعاني من مصادرة الحريات والهويات والقمع الفكري والديني والاثني.
في السابع من أيار عجت شوارع سورية بشعبها في مسيرته نحو التطور الديمقراطي، مرسلا بذلك مجموعة رسائل إلى ساركوزي وإلى الشعب الفرنسي الحي وإلى رئيس فرنسا الجديد فرانسوا هولاند مفادها، أن شرعية الرئيس السوري باقية ما لم يخن هذا الرئيس مبادئ وقيم ومصالح سورية والتزاماتها الإنسانية والقومية والوطنية. وطالما يسير وفق منظومة الفكر والنهج والديمقراطية السورية التاريخية نحو المستقبل الواعد. وعزز الشعب السوري شرعية رئيسه المكتسبة في حين أسقط الشعب الفرنسي شرعية رئيس جاء إلى السلطة متسللا. ومؤكداً لهولاند أن الشعب السوري بديمقراطيته الفطرية ينتظر من فرنسا مصالحة تاريخية لا ترسيخا لعداء ظرفي لم تتح الظروف للشعبين استكمال إنهائه والبدء بالمصالحة التاريخية وقد حان الوقت لذلك.
وكان واضحاً أمس في السابع من أيار أيضاً في تصريحات الناطق باسم خارجية جوبيه-ساركوزي مدى القلق من مسيرة التطور الديمقراطي في سورية التي تتناقض تماما مع مشروعهم الاستعماري- الإرهابي-الصهيوني، تصريحات تنم عن مدى ابتعاد هذا الناطق عن مفهوم الديمقراطية الفرنسية حيث أكد رفضه لأي مشاركة في الحياة الديمقراطية السورية ومسيرة التطور الديمقراطي فيها مؤكداً على الانقلابية في الفكر الفرنسي. بالتأكيد هذه الانقلابية مارسها ساركوزي طوال حياته السياسية سواء داخل الديغوليين أو بوصوله للسلطة منذ خمس سنوات.
لكن أفقاً جديداً يفتح أمام الفرنسيين بانتخاب فرانسوا هولاند، فالزمن الجديد في العالم والذي نتج عن صمود سورية الدولة والوطن والهوية والتاريخ يشكل انتصارا للشعوب وخصوصاً لشعب كشعب فرنسا يعرف معنى الحرية والهوية ومعنى المصالحات التاريخية.
قد تكون إعادة فرنسا إلى الفرنسيين تتطلب وقتاً وجهداً بسبب تغلغل الخلايا النائمة الصهيونية في بنية المؤسسات السياسية والإعلامية الفرنسية والتي ما برحت تنكل بالفكر والمنطق الفرنسي، إلا أن المصالحات التاريخية ليست عملية انقلابية إنها ثورة. ثورة تتطلب وقتا كما الديمقراطية التي هي سيرورة وليست انقلابا يبدأ وينتهي بالبلاغ رقم واحد.
والأسئلة والملفات كثيرة أمام هولاند فما ورثه من خراب في الداخل والخارج أكبر مما يمكن تصوره والملف السوري مفتاح للكثير من الحلول للمشكلات الموروثة من ساركوزي. فعلاقات فرنسا الدولية المتكافئة التي تخدم باريس تبدأ بالموقف المقبل من الملف السوري أو المسألة السورية. ومن هذه العلاقات تتفرع شبكة المصالح الاقتصادية والإستراتيجية الفرنسية في الشرق والغرب. ومن هذا الملف أيضاً تتفرع مشاريع المصالحة الداخلية الفرنسية مع الهوية الفرنسية والمبادئ والقيم.
هولاند يعرف ذلك لكن السؤال هو عن قدرته على التغيير.؟
لا أحد يتوقع من هولاند أن يكون كنظيره السوري بشار الأسد يجدد دولة في اقل من عام لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.