بات اكيداً اليوم ان ما كان يسمى «أزمة سورية» والتي رأينا فيها منذ البدء حرباً كونية على سورية، اصبحت قضية عالمية انقسم حولها العالم إلى معسكرين: معسكر غربي خطط للعدوان وقاده ثم نفذه بايدي عربية واقليمية حتى الان، ومعسكر معاكس جمعته اهدافه الاستراتيجية
فشكل لحماية حقوقه مجموعة دولية ترى في نجاح الغرب في سورية سقوطا للمنطقة في قبضة استعمار جديد يطيح بمواقع الطامحين للحرية والاستقلال. لذا بات الصراع واضحا بين معتد بقيادة اميركية ومدافع ينظم دفاعاته عبر تنسيق وتوزيع ادوار تناسب قدرات كل عضو في المنظومة الاستراتيجية المتشكلة وفاعليته المؤثرة في صد العدوان.
أ.ومع ارتسام هذا المشهد ارتسمت ثوابت لا يمكن لاحد ان يتخطاها الان بعد نيف و15 شهرا من المواجهة و يمكن اجمالها بالتالي:
1)ان القدرات الدفاعية لدى المدافعين، تتفوق على قدرات الهجوم وامكاناته لدى الفريق المعتدي وبالتالي ان فرص نجاح المعتدي في عدوانه و تحقيق اهداف العدوان باسقاط سورية ثم صياغة المنطقة بما يناسب المصالح الاميركية الصهيونية، امر بات مستحيلاً في ظل امكانات الفريقين المتواجهين. وبالتالي ان تلفظ الفريق المعتدي بعبارات من قبيل «رحيل الرئيس السوري» او الانتقال السلمي للسلطة «او تسليم السلطة الى حكومة مدنية انتقالية» بات يثير السخرية والضحك، لان قائلها يتصرف وكأنه منتصر في حين انه مهزوم لم يحصد من عدوانه حتى الان الا الجرائم التي ارتكبها وذهب ضحيتها سوريون ابرياء، و طبعا احد لا يمكن ان يعتبر الجريمة انتصار اً.
2) تفكك منظومة العدوان و ترهلها في الوقت الذي يظهر التماسك لدى المنظومة الدفاعية الى الحد الذي بات كل عضو في المنظومة يرى ان المسألة في سورية امر شخصي خاص به، وهنا نفهم كيف ترتفع حدة المواقف من هنا و هناك رفضاً لأي مس بسورية او تدخل اجنبي فيها تحت اي مسمى يسلتزم قوة و قراراً بالفصل السابع. وقد تكون اميركا باتت قريبة من فهم هذه الحقيقة خاصة بعد الموقف الروسي الاخير، لكن وحدهم اعراب النفط يرفضون الاقتناع بها ومثلهم في ذلك مثل من وصفوا بأنهم «ران على قلوبهم فهم صم بكم لا يفقهون». ولذلك يستمرون هم وأمين عام جامعتهم النفطية الخائنة للقضية العربية الذي ناقض فعله اسمه (العربي) لا زالوا يحاولون ويطالبون بادراج المسألة السورية تحت الفصل السابع، و طبعا لن يكون لاستجدائهم هذا اذن تسمع، فمجلس الامن اقفل بابه في هذا المضمار وختم بالشمع الاحمر.
3) لكن الاهم من كل ما ذكرنا هو اتجاه كل من المعنيين في المعسكرين الى حشد القوة واظهارها من اجل تقريب ساعة الحسم و وضع نهاية توافقه، حيث نجد ان:
– الفريق المعتدي عمد كما نعلم الى تنظيم مناورات «الأسد المتأهب» في الاردن وحشد فيها كل القوى التي يمكن ان يكون لها دور مستقبلي في التدخل العسكري في سورية، ثم انه راح يغدق على من اسماهم «معارضة سورية» السلاح من كل الصنوف والتقنيات التي تمكن الارهابيين والمرتزقة الذين يشغلهم احداث انجازات ميدانية كما وكلف المراقبين الدوليين بجمع المعلومات واجراء الاستطلاع المناسب لعمل عسكري مستقبلي، ثم قرر خنق الاعلام السوري ليحضر الاجواء لعمليته العسكرية التي يوحي بانها ستتم في يوم قريب بقرار من مجلس الامن أو بغير قرار، و اخيرا جاءت المناورات الاسرائيلية التي قيل انها تحاكي هجوماعلى معاقل حزب الله.
– الفريق المدافع، ومنطلقا من نجاحه في امتصاص الصدمات والصمود خلال فترة العدوان المنصرمة ومع الانجازات الكبرى التي حققها على الصعد الميدانية والاصلاحية والدبلوماسية، يتجه هو الاخر الى حشد القوى واظهار ما لديه من اجل تعزيز دفاعه وتثبيت انجازاته السابقة اذ بعد النجاح في
الانتخابات النيابية السورية، كان القرار الحاسم بالتصدي للارهاب دون هوادة ثم جاء الاختبار- المفاجأة والمتمثل بالتجربة البالستية للصاروخ الروسي الذي اربك المنظومة المعتدية فقرأت فيه رسالة عسكرية جدية تؤكد المواقف الروسية الحازمة بأن ما يتخذ من مواقف سياسية صارمة في مجلس الامن وخارجه، يستند الى قوة عسكرية فعلية تحميه، ثم كان الحديث عن المناورات العسكرية المشتركة بين بعض قوى المنظومة الدفاعية، لتشكل الرد على مناورات منظومة العدوان، اما في المجال الاعلامي فان خطة العدوان في خنق الاعلام السوري اجهضت قبل ان توضع موضع التنفيذ وكانت التدابير الملائمة للحال بحجم يحفظ الحق السوري في ايصال كلمة الحقيقة للرأي العام.
ب. في ظل هذا المشهد يثور التساؤل عن مصير و مسار الازمة العالمية من البوابة السورية، فهل ان العالم بات على عتبة مواجهة عسكرية شاملة، ام ان ما يحشد من قوى لن يتخطى وظيفة الاوراق التفاوضية؟
في الحروب لا يمكن للمهاجم العاقل ان ينطلق بهجومه الا اذا تأكد من امرين: الاول قدرته على تحقيق الانجاز الذي يريد واقتياد الخصم الى نوع من انواع الانهيار الميداني او الادراكي، و الثاني قدرته على استثمار الانجاز العسكري سياسيا بارساء الواقع الذي يحفظ الانتصار و يثمره، وفي بعض الحالات يدخل عامل ثالث يتعلق بقدرة المهاجم على احتمال الخسائر التي قد يتكبدها في المواجهة.
واذا طبقت هذه القواعد- الثوابت على حالة منظومة العدوان فاننا نرى:
1) في مجال الحرب التقليدية (استعمال الجيوش النظامية) نجد ان القوى العسكرية الاساسية لهذه المنظومة (قوى الاطلسي) تئن من الاجهاد و الارهاق الذي اصابها خلال العقدين الماضيين ثم ان اقتصادها مترد الى الحد الذي يمنعها من التفكير بأي حرب جديدة، فضلاً عن ان الخصم يملك من القدرات العسكرية الدفاعية ما يجعل هزيمته امراً بالغ الصعوبة والتعقيد، ما يقودنا الى اسقاط ورقة التدخل هذا سواء كان سعياً لتبريرها بقرار من مجلس الامن او بدون قرار.
2) في مجال حرب العصابات والعمليات الارهابية التي تدور الآن وتعمل منظومة العدوان على تصعيدها وتطويرها كما يروجون لتشمل كل سورية دفعة واحدة و الدخول فيها الى المدن الكبرى (دمشق و حلب) هنا نجد بان التهويل و القدرات المتاحة للمعتدي ادنى من السقف اللازم لتحقيق الانجاز المطلوب، ثم ان المرحلة المقبلة على صعيد مواجهة الارهاب – كما بات واضحاً – ستكون مختلفة عما سبقها، خاصة بعد تشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة عن انتخابات نيابية حرة، ولن يكون مستقبلاً امام القوى العسكرية السورية خطوط حمر في مواجهة الارهاب و ملاحقة الارهابيين، و لن يكون التهويل والفجور الاعلامي والسياسي والتزوير الذي يمارسه الفريق المعتدي عبر ارتكاب المجازر والصاق التهم بالدولة، لن يكون حائلاً دون العمل المطلوب، كما ان مهمة المراقبين الدوليين ستكون تحت علامة استفهام كبرى مستقبلاً خاصة بعد ان ظهر تقصير – متعمد او غير متعمد – في قول الحقيقة، و بعد استغلال وجودهم لتكثيف العمل الاجرامي.
3) اما على الصعد الاخرى فيكفي ان نذكر بعجز اسرائيل عن اقامة المنظومة الحمائية لجبهتها الداخلية، الامر الذي غلّ يدها عن الاعتداء على ايران رغم كل ما اطلقته من تهديد ضد برنامجها النووي، يكفي ان نتذكر هذا لنعلم عجز المنظومة العدوانية عن احتمال ردة الفعل على عدوانها.
ج. وبالاستناج نجد ان حربا على سورية بالجيوش مستبعدة للغاية ، وان حرباً ارهابية عليها لن تحقق للمعتدي اهدافه لا بل انها ستكبده خسائر تدفعه الى التآكل حتى لو استلزم الامر بعض الوقت، و هنا نعود الى السؤال الاول: لماذا تحشيد القوى اذن؟
والجواب برأينا، ان الفريق المعتدي بعد ان وقف على عجزه، وعلم ان المخرج لن يكون الا بالتفاوض والحل السلمي، ولأنه يعلم ان من يجلس على طاولة المفاوضات ينال منها حصة تناسب ما له في الميدان وما بيده من اوراق لذلك فانه يجمع اوارقاً حتى تكون هزيمته في سورية من النوع الذي يمكن احتماله، بعد ان بات انتصار العدوان ضربا من الخيال. وتكون روسيا التي دعت الى التفاوض في موسكو قد ارسلت الدعوة الى من يفقه بالاصول، بصاروخ يقطع الشكوك و الاوهام ويفتح الطريق الى السلام، و يكون الرئيس بشار الأسد اهدى لوالده في ذكرى وفاته الثانية عشرة التوازن الاستراتيجي الذي حلم به و عمل له.