مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة الذي فشل عام 2011 بتوجيه ضربات جوية لسورية وليبيا في آن واحد, يحاول استعراض عضلاته من جديد : ترتيب تغييرات من شأنها الاطاحة بثلاثة أنظمة في العالم, في آن واحد. كل أعضاء المجلس تجندوا لهذا الغرض, وفي مقدمتهم أولا, المستشارة سوزان رايس, وسمانتا باور السفيرة لدى الأمم المتحدة, اللتان تخصصتا منذ عدة سنوات في مجال التدخل في الشؤون الداخلية للدول, ودعم حصول مذابح جماعية, غالبا ماكانت تستهزئان بها, كما رأينا إبان أزمة السلاح الكيماوي في الغوطة. فالسفيرة "باور" التي كانت متأكدة تماما من براءة السلطات السورية, لم يمنعها ذلك من الذهاب إلى أوروبا لحضور مهرجان سينمائي مكرس لشارلي شابلن, بينما كانت حكومتها تندد بجريمة ضد الانسانية محملة الرئيس الأسد مسؤوليتها.
ثم هناك المدراء الاقليميين الثلاثة :
– فيل غوردون ( المسؤول عن ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا), هو الذي رتب عملية نسف مؤتمر جنيف2 للسلام, طالما لم يتم تسوية القضية الفلسطينية وفقا لرغبة الولايات المتحدة. كان يعقد في واشنطن اجتماعات, طيلة فترة الجولة الثانية من مؤتمر جنيف2, مع رؤساء أجهزة الاستخبارات الأردنية والقطرية والسعودية والتركية بهدف التحضير لهجوم ما.
– كارين دونفريد (المسؤولة عن ملف أوروبا) هي أيضا ضابط سابق لدى أوروبا في جهاز المخابرات الوطنية. لقد نجحت في اقناع صناع القرار الأوروبيين بأن المعارضة في كييف تنشد الانضمام للاتحاد الأوروبي, وأنها تكافح من أجل الديمقراطية, بينما الواقع يقول بأن أكثر من نصف مثيري الشغب في ميدان الاستقلال هم أعضاء في أحزاب نازية.
– أخيرا, ريكاردو زونيغا (المسؤول عن ملف أمريكا اللاتينية), كان يدير محطة (سي.آي.ايه) في العاصمة الكوبية هافانا, حيث كان يجند العملاء ويمدهم بالأموال اللازمة لتشكيل جبهة معارضة للرئيس فيديل كاسترو. نجح مؤخرا في حشد جبهة اليسار التروتسكي المتطرفة في فنزويلا بهدف الاطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو, الذي تتهمه الولايات المتحدة بالشيوعية.
وبطبيعة الحال, هناك مدير اعلامي للعمليات الثلاثة معا. إنه دان روديس, هذا الاختصاصي في البروباغاندا الاعلامية, هو من كتب الرواية الرسمية لأحداث الحادي عشر من أيلول-سبتمبر 2001, وهو أيضا الذي تمكن من اخفاء أي أثر للانقلاب العسكري ( حين تم تجريد الرئيس جورج والتر بوش من كامل صلاحياته حوالي الساعة العاشرة صباحا, ولم ترد إليه إلا مساء ذلك اليوم, بعد أن تم وضع كل أعضاء الكونغرس في ملاجي آمنة, بذريعة "ضمان أمنهم") في حين أن الغرض من ذلك هو جعلهم لايتذكرون إلا الهجمات.
في كل مرة, نفس السيناريو يتكرر : يبدأ الحراك بمظاهرة, يتعرض أثناءها معارضون سلميون للاغتيال, فيتبادل كلا المعسكران الاتهامات بممارسة العنف.
غير أن الواقع مختلف تماما. كان يتم دائما نصب عناصر من القوات الأمريكية الخاصة, أو من قوات حلف شمال الأطلسي فوق أسطح المباني العالية, وكانت مهمة هؤلاء اطلاق النار على المتظاهرين وقوات الأمن في نفس الوقت.
هذا ما حدث في درعا في بداية الأحداث عام 2011, وكذلك يحدث منذ أسبوع في كل من كييف وكاراكاس. لكن من سوء طالع هذه القوات أن نتائج الفحص الجنائي لجثتي قتيلين من كلا المعسكرين, أي المتظاهرين وقوات الأمن, أثبتت أنهما قتلا بنفس السلاح.
إن نعت المعارضين بالديمقراطيين ليس سوى لعبة بلاغية بالنسبة لواشنطن.
ففي سورية, الديمقراطيون هم المجموعات التكفيرية المدعومة من أعتى الديكتاتوريات, المملكة العربية السعودية.
وفي أوكرانيا, هم عدد من الأوروبيين المخلصين المحاطين بكم هائل من النازيين.
أما في فنزويلا, فالديمقراطيون هم حفنة من الشباب التروتسكيين المنحدرين من عائلات عريقة, يلتف حولهم عدد كبير من ميليشيات أرباب العمل.
فجأة يبرز جون ماكين, المعارض الأمريكي المزيف, ليمد يد المساعدة للمعارضين المخلصين والمزيفين مثله في كل مكان.
في كل الأحوال, غالبا ماتبدو سوزان رايس وسامنتا باور غاضبتين إبان فرض العقوبات, بينما هن فعليا رعاة العنف عبر العالم.
في المحصلة, لم تنجح أيا من محاولات الانقلاب هذه حتى الآن.