حاولت وكالة الاستخبارات المركزية في ظل إدارتي الرئيسين جونسون ونيكسون، إفساد المناضلين الشيوعيين في جميع أنحاء العالم، وجعلهم ينقلبون ضد موسكو وبكين.
هكذا انشق رياض الترك عن الحزب الشيوعي السوري خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وخرج مع خمسين ناشط، من بينهم جورج صبرا، وميشيل كيلو.
ولكي لايبقوا معزولين، قاموا حينها بإجراء اتصالات مع حزب صغير من أقصى اليسار المتطرف في الولايات المتحدة، "الاشتراكيون الديمقراطيون"، وصاروا تابعين له.
خلال سنوات العنف التي مرت بها سورية، إبان الحملة الإرهابية لجماعة الأخوان المسلمين بين الأعوام 1979-1982، قام كارل غيرشمان، زعيم حزب "الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكي " بتكليف كل من جورج صبرا وميشيل كيلو، بدعم الأخوان، فنشرا نصاً، أكدا من خلاله أن الثورة العالمية تتقدم، وأن الإخوان المسلمون هم طليعة البروليتاريا العالمية، وأن الانتصار آت، بفضل الولايات المتحدة. فتم إلقاء القبض عليهما، لعلاقتهما مع الإرهابيين.
عام 1982، أنشأ الرئيس ريغان مع شركائه في تحالف " العيون الخمسة" ( أستراليا، كندا، نيوزيلندا والمملكة المتحدة)، وكالة استخبارات جديدة، أُطلق عليها اسم " الوقف الوطني للديمقراطية "، لدعم المعارضات داخل الدول الشيوعية.
للتمويه على هذه الوكالة الحكومية الدولية، تم طلاءها بصبغة "المنظمات غير الحكومية"، وجعل تمويلها مباشرة من الكونغرس، وليس من قبل الحكومة الاتحادية، على الرغم من ورودها في بند ميزانية وزارة الخارجية. لكن الأهم من كل هذا وذاك، تكليف زعيم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين اليساري المتطرف، كارل غيرشمان بإدارتها. وقد تبعه العديد من المناضلين التروتسكيين في رحلته، من أقصى اليسار إلى اليمين، في الحزب الجمهوري.
من بين هؤلاء، نخبة من المثقفين مثل بول وولفويتز، الذي شغل منصب نائب وزير الدفاع في وقت لاحق، وثلة من صحفيي مجلة "كومنتاري" الصهيونية الذين دخلوا التاريخ لاحقا تحت اسم "المحافظون الجدد".
نقطة الملتقى بين هذا اليسار المتطرف، المناهض للاتحاد السوفياتي، والامبريالية الأميركية تتمحور حول مفهوم الثورة العالمية.
كان للتروتسكيين تفويضا مطلقا للقيام بذلك، طالما أن ثورتهم موجهة ضد السوفييت، وليس ضد واشنطن وحلفائها.
تأسيساً على ذلك، أنشأت الولايات المتحدة أربعة فروع لهذه المنظمة : واحدة للنقابات، وأخرى لأرباب العمل، وثالثة لأحزاب اليسار، ورابعة لأحزاب اليمين. فصار بوسعهم دعم أي فصيل سياسي أو اجتماعي، في أي مكان من العالم.
حاليا، الفرع المكلف بإفساد أحزاب اليمين (المعهد الجمهوري الدولي) يتولى إدارته السيناتور جون ماكين، الذي هو في نفس الوقت، نائب معارض، وموظف لدى إدارة يعارضها.
أما الفرع المكلف بإفساد أحزاب اليسار (المعهد الوطني الديمقراطي )، فتتولى إدارته وزيرة الخارجية السابقة، مادلين أولبرايت.
أثناء التحضير للربيع العربي، كان اليسار العربي المتطرف يواصل العمل مع الإخوان المسلمين. ذلك كان حال الدكتور منصف المرزوقي في تونس، أو الأستاذ الجامعي السوري برهان غليون. هذا البروفسور العلماني الذي كان يكتب خطابات زعيم جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، عباسي مدني، المنفى في قطر.
اليوم. غليون، وصبرا، وكيلو، هم وحدهم الضمانة اليسارية المتبقية "للثورة السورية" المزعومة، وهو بطبيعة الحال يسار مزيف، لأنه ليس في خدمة الإنسانية، بل في خدمة الهيمنة على العالم من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.