كان مقرراً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يتوجه فقط إلى الإمارات العربية المتحدة لتدشين «متحف اللوفر في أبو ظبي»، لكن صعب عليه وهو هناك عدم اتخاذ أي مبادرة في الأزمة اللبنانية.
ما حصل أنه جاء إلى سدة الحكم خلفاً لكل من جاك شيراك «اللبناني»، ونيكولا ساركوزي «القطري»، وفرانسوا هولاند «السعودي»، من دون أن يتوانى خلال حملته الانتخابية عن تقريع الرياض بكل ما كان يفكر به من سوء إزاءها.
من وجهة النظر الخليجية العربية، ظلت فرنسا على مدى السنوات السبع الأخيرة، حليفاً موثوقاً ضد ليبيا وسورية، وشاركت معهم عسكرياً، في السر والعلن، في جميع العمليات القذرة ضد هذين البلدين تحديداً، ووفرت لهم المظلة الدبلوماسية، وخطابات التهدئة التي لا غنى عنها في أعمال عدوانية من هذا القبيل، لكنها اليوم تبدو تائهة وخاملة.
إيمانويل ماكرون، لا يعرف شيئاً عن هذه المنطقة، ويطلق في يوم اعترافاً بالجمهورية العربية السورية، وفي اليوم التالي ينتقد بشدة رئيسها المنتخب من شعبه.
فضلاً عن ذلك، فقد أخذت كل من السعودية والإمارات العربية على محمل سيئ للغاية تصريحاته التي دعا فيها إلى التوقف عن التصعيد مع قطر، وإذا علمنا حجم الجهود التي شرعتا بتطبيقها معاً لقطع العلاقات مع الجهاديين، يصبح من غير المقبول بالنسبة لهما التسامح مع استمرار الدوحة بدعم الإرهابيين في سورية.
استفسر ماكرون من مضيفه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عن حقيقة ما يحدث في الجارة السعودية، وعن مصير رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري فيها، وليس سراً أن الشيخ الإماراتي له حظوة كبيرة عند ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لذا لم يتردد بالاتصال معه هاتفياً للحصول على موعد عاجل لمقابلة ضيفه الفرنسي.
هبطت طائرة الرئيس الفرنسي، البالغ من العمر 39 عاماً، في الرياض في طريق عودتها إلى باريس، فكان في استقباله في المطار، ولي العهد السعودي ابن الـ32 عاماً، فتناولا العشاء معاً في المكان، وخلافاً لما كان يظن، فقد جاء إلى الرياض من أجل لاشيء، لم يعد برئيس الوزراء اللبناني معه، كما كان يأمل، ولم يسمح له حتى بمقابلته.
هناك ما هو أسوأ من ذلك، فقد نهض ابن سلمان مذكراً ضيفه بالتزاماته الثقيلة التي تنتظره في باريس، ليرافقه إلى سلم طائرته، ويعود من حيث أتى.
ربما لم يأبه أحد إلى حجم الإهانة التي وُجهت إلى ماكرون، رغم أنها بدت على درجة لا تصدق من الوقاحة، مثلاً: لم يُستقبل الرئيس الفرنسي من نظيره ملك السعودية، على الرغم من أن الأخير يعقد هذه الأيام جلسات استماع مع شخصيات من الدرجة الثانية.
هذا النموذج من قلة الأدب، لا يقتصر فقط على ابن سلمان، بل يشمل أيضاً محمد بن زايد الذي يعرف حق المعرفة مسبقاً، ما سيواجهه الرئيس الفرنسي الشاب من إذلال في الرياض.
خلاصة القول: إن عدم تكيف فرنسا فوراً مع انقلاب السعودية على نفسها بعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب المناهض للإرهاب في الرياض، وإبقاءها على مكوايتين فوق نار حامية، جعلا فرنسا تحكم على نفسها بالزوال نهائياً من المنطقة العربية.
لا يزال الإماراتيون يقدرون عالياً عراقة متحف اللوفر، ويستمتعون بسرعة طرادات سلاح البحرية الفرنسية، لكنهم لم يعودوا يأخذون الفرنسيين على محمل الجد، ولم يغفر السعوديون بعد لماكرون وصفه لهم بأسوأ الألفاظ أثناء حملته الانتخابية، وبعد أن أصبح رئيساً، ومدحه لقطر، عرابة الإخوان المسلمين.
لقد أفهموه بوضوح وجوب ألا يتدخل أبداً في قضايا ومشكلات الخليج، ولا بمسألة من يعتلي العرش في الأسرة السعودية الحاكمة، وبدرجة مماثلة ألا يحشر أنفه في الشجار مع إيران، وخصوصاً في احتمال شن حرب على لبنان.