"عقيدة الأمن القومي" التي نشرها الرئيس ترامب مؤخرا، تؤشر إلى قطيعة شبه تامة مع كل سابقاتها.
وهي على الرغم من اعترافها بصعوبات التغيير في فلسفة العقيدة، إلا أنها تمكنت من شرح المبادئ التي توجه عمل إدارتها، دون أن تكون قادرة على إيضاح تطبيقها إقليميا.
استوحت العقيدة نصوصها على الصعيد الفلسفي من المستشار الخاص السابق ستيف بانون، وعلى الصعيد التاريخي من وزير الدفاع الحالي جيمس ماتيس، وعلى صعيد تحليل المخاطر، من مستشار الأمن القومي ماكماستر، ومن سلفه، مايكل فلاين، استوحت التصميم الاستخباراتي، فيما استوحت مبادئها على الصعيد الدبلوماسي من ريكس تيلرسون، فجاءت تشهد على تماسك الفريق الحكومي، على الرغم من شتائم وسائل إعلام "الديمقراطيين" لها، وأخبارهم الملفقة.
انطلقت عقيدتا كل من الرئيسين السابقين جورج بوش الابن، و باراك أوباما من مبدأ أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، فأطلقتا سلسلة حروب لانهاية لها، وتعمدتا تدمير جميع أشكال النظم السياسية في الدول غير المدمجة اقتصاديا، بداية في دول الشرق الأوسط الموسع. ثم شرعت تحدد شروط السلام الأمريكي، في كل منطقة على حدى.
هذه "العقائد" هي التي دمرت، أفغانستان، والعراق، وليبيا، وزعزت استقرار تونس ومصر. وهي التي هدمت مدن بأكملها في تركيا، والمملكة العربية السعودية، واليمن، وهي التي سعت إلى إبادة سورية.
وعلى العكس من ذلك، فإن عقيدة ترامب ترمي إلى العودة للتسوية الأمريكية لعام 1791، حين كانت المستعمرة البريطانية السابقة تنوي أن تحكم نفسها كجمهورية. وهي تتعارض مع العقيدة الأطلسية لروزفلت الذي أقام تحالفا مع الإمبراطورية البريطانية لحكم العالم. كما أنها تدين مبدأ رونالد ريغان الذي كان يهدف إلى"تغيير الأنظمة" و نشر "الثورة الديمقراطية العالمية". ترفض أيضا عقيدتا جورج بوش الأب، وبيل كلينتون اللتان كانت ترميان إلى تخريب الاقتصاد الأوروبي المنافس، وتطيح بعقيدة أوباما المتحالفة ماليا مع سوق لندن المالي "سيتي أوف لندن".
بالنسبة لإدارة ترامب، لم يعد المهم حكم العالم، بل حماية "مصالح الشعب الأمريكي"، استنادا إلى أربعة ركائز أساسية :
– حماية سكان الولايات المتحدة من خلال ترسيم الحدود
– تنمية عوامل الازدهار من خلال إيقاظ "الحلم الأمريكي" وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، مع التشكيك في التجارة الحرة العالمية وعواقبها
– إعادة إطلاق سباق التسلح في مواجهة الصين وروسيا
– وأخيرا، تركيز نفوذ الولايات المتحدة على الدفاع عن الحرية الدينية، وإصلاح البلدان الراغبة، ذات الاقتصاد التأشيري.
وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة قد سجلت ضرب سورية لشعبها بالغازات السامة كحقيقة مؤكدة، إلا أنها فتحت آفاقا جديدة.
فإذا كانت لاتزال تصر على دعم المستعمرة اليهودية في فلسطين، إلا أنها لم تعد تنظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها المشكلة الرئيسية في المنطقة، بل إلى كذبة دولة الخلافة. وهي، أي الوثيقة، تأخذ علما بتدمير داعش، أي أنها صارت تعترف بإعادة فتح طريق الحرير، من دون الإعلان عن نهاية الجهاد العالمي، أي استمرار التلاعب بالإسلام من قبل البريطانيين.
وأخيرا، تتوخى الوثيقة "التعاون المتبادل" مع جميع من يرغب في كل مكان توجد فيه حرب، وبطبيعة الحال مع سورية.