شهدت مؤخرا كل من مدينتي طشقند وبوخارى،موجة من التفجيرات والتي أودت بحياة أكثر من أربعين شخصا على الأقل.وقد حاولت مجموعة من النساء على مايبدو الإنتقام لأزواجهن المعتقلين بسجون التعذيب الذي يمارسه نظام الدكتاتور اسلام كاربموف.لكن الغديب أن الصحافة الغربية والمسولين الغربيين،وفي خضم تفاعلهم مع الأحداث نسوا أو تناسوا مواصلة الأنتقاد لهذا النظام،وتحولوا ألي أعلان الحرب على ما يسمى بالإرهاب الدولي،معربين عن كامل الثقة لهذا النظام المستبد.ويأتي هذا التحول كنتيجة لاتفاق حلف الأطلسي ،أوزباكستان بطشقند وبرعاية دونالد رامسفيلد.وفي محاولة جادة لأن تضع ادارة بوش يدها على مصادر البترول الهائلة ببحر قزوين.
حدث ذلك كله يوم الأحد28مارس 2004،أثناء حادث إنفجار أدى إلى تدمير ورشةببوخارى،بالجنوب الغربي لأوزباكستان،وقد خلف مقتل عشرة أشخاص.وحسب السلطات الأوزبكية منفذي هذه العمليات كانوا يصنعون قنابل تقليدية عندما إنفجرت هذه الأخيرة عليهم.وفي يوم الغد،نفذت امرأتان عمليتين إنتحارتين في زمرة من رجال الشرطة مخلفة مقتل أربعة منهم وطفل.وقد إتبع ذلك إقتحام قوات الأمن لمبني اشتبه آنه مأوى لمنفذي العمليات.وقد اٍسستبع هذه الأحداث عمليات تفجيرات أخرى أيام الثلاثاء والأربعاء خلفت حصيلة ثقيلة تعادل الأربعين قتيلا.وتكرر المشهد يوم الخميس عندما فجرت امرأة نفسها مخلفة قتيلا وجريحا.وقد اٍتهم بعد ذلك مسؤل أجهزة مكافحة الإرهابIlya Pyagay تنظيم القاعدة بالمسؤلية عن موجة التفجيرات هذه الموجهة ضد المدنيين على حد تعبيره.غير أن الواقع يشير إلى أن هذه العمليات مست بشكل مباشر قوات النظام الأمنية والعسكرية،والتي تعبر في نظر كثير من فئات المجتمع الأروزبكي رمز الفساد الإداري وتفشي الرشوة وإضطهاد الحريات.
أوزباكستان،أكبر جمهوريات آسيا الوسطى من حيث تعداد السكان،حيث يضم26مليون نسمة حاز على إستقلاله عام1991 بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي.يحكمه من يومها الرئيس إسلام كاريموف بقبضة من حديد،والذي قد أعيد إنتخابه لعهدة ثانية في جانفي 2000 بنسبة91،9٪ من الأصوات.وقد إنتقد كل من الإتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي سير عمليات الإنتخاب والتي جاءت بكاريموف إلى الحكم،واصفة في نفس الوقت هذا النظام بالأكثر الأنظمة القمعية بالعالم.ورغم الثروات الطبيعية الهائلة التي يتمتع بها هذا البلد"الذهب،الفحم والغاز الطبيعي بالخصوص"إضافة إلى إنتاج القطن حيث تعتبر أوزباكستان المنتج الثاني دوليا لمادة القطن،فرغم كل هذه الإمكانات المادية الهائلة،إلا أن البلد يعتبر الأفقر على مستوى آسيا الوسطى،حيث أدت سياسة الحكم الحالي بالدخل الفردي إلى أدنى مستوياته،مايعادل40دولار شهريا.كما هبط منتوج الفرد المحلي بنسبة 40٪منذ عام1998. [1] ويعتبر المجتمع الأوزبكي مجتمعا أميا في غالبيته99٪،ويشكل المسلمون88٪مع أقلية مسيحية آرثوذوكسية.
و كبلد يقع وسط جمهوريات آسيا الوسطى،المنطقة التي تقع هي الأخرى وسط الحيز الجغرافي المعروف بالأوروآسيا،الممتد من الغرب من بولونيا إلى البحر الأطلسي مرورا بالصين وروسيا.ولهذا تعتبر أوزباكستان بلدا ذو موقع إستراتيجي يذكر Zbigniew Brzezinski في كتابه(الكنز لكبير)أن أوزباكستان تشكل مفتاح الهيمنة علي المنطقة الأورآسيوية.ولهذا لم يكن مستغربا في خطاب للرئيس بوش أمام الكونغرس وأيام قليلة بعد أحداث 11سبتمبر2001،حيث حدد هذا البلد كأول محطة تستقر عندها القوات الأمريكية.وقد سهل من تواجد هذه القوات،تعامل كاريموف مع الإدارة الأمريكية،مقابل أن تغض واشنطن الطرف عن إنتهاكات نظام كاريموف لحقوق الانسان والحريات الفردية والجماعية.والأكثر من هذا،استفاد هذا النظام مما يقدر ب25 مليون دولار في إطار تعزيز برنامجه التسلحي وتدريب القوات الأوزبكيةالخاصة وتحضيرها للحرب المزعومة ضد مايسمى الإرهاب الدولي
[2] وبغض النظر عن تلك العملية الرمزية والتجميلية لوجه النظام،والتي تمثلت في الإفراج عن سجينة رأي أوزبكية أثناء زيارة دونالد رامسقيلد للبلاد
[3]
،فالوضع الداخلي يبقى جد متدهور وخصوص في مجال إحترام الانسان وحقوقه الأساسية،هذا الوضع الذي ييبدو أنه سيدوم دوام دعم واشنطن لنظام كاريموف الدكتاتوري.
في نوفمبر2002،مبعوث الأمم المتحدة لشؤن التعذيب والإضطهاد
Theo van
Boven،يصف في تقرير له ظروف السجن والتعذيب الخطيرة بأوزباكستان،كماأصدرت لجنة مراقبة حقوق الانسان غير الحكومية والمعروفة ب"هيومن رايتس وو تش "تقريرا في 320 صفحةّّ ، تصف فيه الحالة المتردية للحريات هناك والتجاوزات اليومية،والإعتقالات القمعية لحوالي7000شخص،وفي ظروف جد مزرية.وصنفت المنظمة نظام كاريموف كأكبر الأنظمة قمعا علي وجه الأرض.ونشير إلى أن المسلمين التحرريين الذين يرفضون الإنصياع لنظام كاريموف،هم من أكثر الأفراد تعرضا للقمع.
ونحصي من بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر،حركة حزب التحرير،هي حركة ممنوعة من العمل بأوزباكستان،ويملأ أفرادها السجون في غالبيتهم،ويتهم النظام الحاكم بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة.تأسست هذه الحركة عام1952،ومقرها الرئيس بلندن،وهي تعلن عن نفسها كحركة سلمية المنهج،ولا شبهة تستدعي تورطها في الإنفجارات و لاحتى في الماضي.وحزب التحرير حركة تعمل لأجل إقامة حكم الخلافة الإسلامية عن طريق الدعوة والعمل السياسي والحزبي.ويكثر نشاط هذه الحركة في الدولة الجارة طاجيكستان،وحسب ناطقها الرسمي عمران وحيد،فالحركة لاعلاقة لها ألبتة بالعمل المسلح،ويتهم في نفس الوقت نظام كاريموف بالضلوع في ملابسات هذه التفجيرات من أجل جلب إهتمام وتعاطف الغرب لدعم الحملة المسماة محاربة الإرهاب الدولي.
[4]
وكمثال علي حركة أخرى متهمة بالوقوف وراء تفجيرات طشقند وبخارى،حركة أوزباكستان الإسلامية،والتي تعمل لغاية إقامة حكم الخلافة ،منتهجة العمل المسلح كوسيلة.تأسست هذه الحركة نهاية الثمانينيات على ضفاف نهر فرغانة وهي حركة ممنوعة بأوزباكستان وقد سبق لها أن شاركت في الحرب الأهلية التي دارت رحاها بآفغانستان قبل أن تنطوي إلى جانب حركة طالبان أيام حكمها.
وقد إعتاد نظام كاريموف تصنيف كل المسلمين الذين لاينضوون تحت برنامجه ب" الوهابيين"في محاولة منه لتصويرهم على أنهم أصوليون متطرفون،غير أن أبسط تأمل لا يقر لهم بأي صلة بالمملكة العربية السعودية والتيار الوهابي.ويتعرض هؤلاء لكثير من التضييق على حرياتهم تحت دعاوي وتهم"الإخلال بالنظام العام" تارة،وتارة أخرى بتهمة"الضلوع في نشاطات معادية للحكومة".
وتعد هذه المرة الأولى التي تعرف فيها المنطقة تفجيرات من هذا النوع،ومنفذة من طرف نساء.وقد سبق أن نسب تفجير مبنى حكومي بطشقند عام1999إلى حركة أوزباكستان الإسلامية،دون أن تقدم الحكومة على ذلك أي دليل،وقد اٍستتبع الحادث موجة إعتقالات في صفوف هذه الحركة،ونشير هنا إلى أن هذا النوع من التفجيرات كان يطال دائما قوات الشرطة وأعوان الحكومة،هذه القوات التي تعتبر في نظر قطاع كبير من المجتمع الأوزبكي كجهة مسئولة عن تعويم البلاد في موجة من القمع والعنف والعنف المضاد.ولم يقف التضييق على الحريات عند حد المساس بالجانب السياسي،بل تعداه حتى إلى الجانب التجاري،حيث عمدت الجهات المسئولة إلى تقنين كل ما من شأنه أن يضيق على حركة التجار وحرياتهم،كان آخرها قانون يمنع التجار من بيع المواد الغذائية بالأسواق العمومية.
[5]
وفي مداخلة تلفزيونية يوم29مارس،أشار كاريموف بأصابع الإتهام إلى تنظيم القاعدة،باٍعتبارها من وظف إسلاميين متطرفين إنطلاقا من الخارج،وأضاف أن هذه التفجيرات قد حضر لها قبل ثمانية أشهر!مايبدو ظاهريا متناقضا مع الكيفية والطريقة والإمكانيات التي نفذت بها تلك العمليات.ورغم الغموض والملابسات التي رافقت هذه العمليات ،فقد سارعت الصحافة الغربية اٍلى الترويج لفكرة أن تنظيم القاعدة يقف وراءها دون الإستناد إلى أي دليل!.وبتحفظ شديد من نظام كاريموف وتصريحاته،فقد تجنبت الصحاف الغربية الإشارة إلى أن غالبية ضحايا التفجيرات هم من أفراد الشرطة،ليرتسم في مخيلة القارء عمدا مشهد تفجيرات العاصمة الإسبانية مدريد وتراجيديا نيويورك2001"انظر جريدة العالم الفرنسية Le Mondeعدد31مارس".وفي نفس السياق نقرأ تحليلا لأحد رجالات شركة Carnegie بموسكو Alexeï Malachenko وهويصف التفجيرات بأنها:....أظهرت لكاريموف أنه لايتحكم كلية في وضع بلاده.وأنهم يرتبطون بشبكة إرهابية إسلامية واسعة،ولها علاقة بما جرى بمدريد،وبما يجري بالعراق وأفغانستان.وبأنهم يتحركون على مستويين اثنين،وأن هذا يزيد من خطورة الأمر""جريدة لوفيجارو الفرنسية Le Figaroعدد31مارس". كما أوردت جريدة"لو بروجرييه دو ليون
Le Progrès de Lyon" مقالا في نفس التاريخ،عنوانه أقوى دلالة من المقال نفسه"حركةأوزباكستان الإسلامية المرتبطة ببن لادن"!.
وتبدو تناقضات الصحافة الغربية واضحة هنا،فيوما هي مدافعة عن الشعب الأوزبكي المضطهد من طرف نظام كاريموف،ويوما آخر هي تصنف أي نوع من المقاومة والتحرر من قبضة هذا النظام االمستبد بالإرهاب!وهو تناقض مرده لذروة تأثير إدارة واشنطن على توجهات هذه الصحافة.فمع مجيء إدارة بوش لى البيت الأبيض،ناقش نائب الرئيس Dick Cheney مشروع تشكيل قاعدة عسكرية بأوزباكستان.يوم5أكتوبر2001،سكرتير الدفاع دونالد رامسفيلد زار طشقند لمناقشة فكرة إستعمال هذه القاعدة العسكرية في الحرب على أفغانستان،هذه الحرب التي ستبدأ بعد يومين من هذه الزيارة.وقد وافق كاريموف تماما على مقترحات وطلبات اٍدارة بوش،خصوصا وأنه يمثل المعرضة لحكم طالبان،والمناصر للقائد عبد الرشيد دستم،وقد سهل كاريموف من عملية إستغلال القاعدة العسكرية والمجال الجوي الأوزبكي للأمريكان .في مارس 2002 ،الولايات المتحدة و أوزباكستان توقعان إتفاق شراكة إستراتيجي يتم بموجبه إحداث إصلاحات سياسية وإقتصادية بالبلاد،وفي في مبتغاها الخفي فقد جاءت لضبط السلاح الأوزبكي وفق معايير حلف شمال الأطلسي لاغير.يوم24فبراير2004،شهر قبل موجة التفجيرات التي ستعرفها البلاد،دونالد رامسفيلد يعيد زيارة طشقند،من أجل إتمام عملية إدماج أوزباكستان في مشوار الشراكة من أجل السلام مع حلف الناتو.والحديث يجري طبعا عن تشكيل قاعدة عسكرية دائمة تضمن سلامة قوات الكومندوس الأمريكي وشروط تدخله العسكري في حرب أفغانستان وغيرها من البؤر المرشحة للتوتر ببحر قزوين.ومباشرة وبعد إنجاز كاريموف لهذه الخطة،يتحول هذا الأخير من دكتاتوري مستبد إلى مدافع عن الحضارة في وجه خطر الإرهاب الإسلامي.
يوم15فبراير2004،صرح المفتش الأوروبي للعلاقات الخارجية،أنه(التعذيب،وكثير من أشكال الإنتهاك لحقوق الانسان......لاتساعد على تطويق الإرهاب،..بل بالعكس فهي تعمل علي تغذية الحقد والكراهية وبالتالي الإرهاب).لكن ويوم30مارس وأثناء مناقشة ثانية لاتفاق الناتو بأوزباكستان،لم يخشى هذا المفتش أي إنتقاد وهو يصرح(ليس عندي أي شك في أن هذه الأحداث لاتؤدي إلا إلي تقوية أوزباكستان في حربها مع المجتمع الدولي ضدالإرهاب الدولي).وفي إجتماع02أفريل بمناسبة ضم سبعة دول جديدة ،نشر مجلس حلف الناتو تصريحا حول الإرهاب،حيث تشبه فيه تفجيرات نيويورك،اٍسطمبول،العراق،وأوزباكستان ببعضها البعض.
وأخيرا نقول إن عملية تبييض وجه نظام كاريموف،تسمح لوكالات الصحافة الغربية إبتداءا من الآن في إعادة كتابة تاريخ المنطقة،وتضليل القراء.ومن الآن وصاعدا،النساء اللواتي ينتقمن لحقوق أزواجهن المضطهدين في سجون نظام مستبد،هن في الحقيقة "إرهابيات دوليات"،بينما شرطة نظام موغل في همجيته،هم في الحقيقة مدنيون أبرياء كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في تعازيه للضحايا المدنيين الأبرياء في غالبيتهم!!.