في اليوم التالي من فوز جورج دابليو بوش، ساد الاشمئزاز في صفوف الديمقراطيين الذين كانوا يبحثون عن سبب للتواجد بعد القطيعة التي أحدثها مرشحهم. التشكيك في مصداقية العملية الانتخابية و الديمقراطية في الولايات الأمريكية المتحدة ليست مرتبطة فقط بتاريخ 2نوفمبر2004. لقد ذكرنا في هذه الأعمدة الانحراف السلطوي، بل و الشامل، "لدولة الحريات" منذ 11 سبتمبر2001. هل سيستوعب الرأي العام الغربي، و تحديدا الأوروبي، أن الضريبة سوف تدفع بموازاة مع الحليف القديم لواشنطن، و أنه حان الوقت لإقامة تحالفات جديدة لمواجهة تهديد الإمبراطورية؟
كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالنسبة إلينا غير
مفاجئة. سيبقى جورج دابليو بوش في البيت الأبيض. لا شيء سيكون غير ذلك. في سنة 2000، أدنّـا التزوير الشامل الذي سمح للسيد بوش بالفوز على حساب منافسه آل غور. تلك المناورات على أعلى المستويات فتحت الباب لتحقيق معمق، بالتحديد التحقيق الذي قام به الصحفي المشهور من قناة ألبي بي سي،غريغ بالاست، و الذي ستظهر الطبعة الفرنسية من كتابه The Best Democracy Money Can Buy تحت العنوان الفرنسي" ديمقراطية البزنس".
نذكـّر بمبدأ الانتخابات. الولايات الأمريكية ليست ديمقراطية و لكنها دولة فيدرالية. السيادة ليست ملكا للشعب، بل للولايات الفدرالية. تتكون كل ولاية على عدد كبير من الناخبين الكبار المتوازي مع مواطنيها. مع الوقت، صار السود و الهنود ضمن تلك الحسبة. كل مقاطعة تحدّد، وفق إجراءاتها الخاصة، كيف تختار منتخبيها الكبار. في الماضي، كان الأمر يدخل في إطار السرية لا يدري به إلا الحاكم، و البعض يلجأ إلى المجلس المحلي. مع الوقت، قررت كل المقاطعات الفدرالية اللجوء إلى أوراق الانتخابات المطلقة..
منذ أربعين عاما، كسبت النساء و مثلما كسب السود حق التصويت. عام 2000، بعض حكام الولايات، بالخصوص "جيب بوش" في فلوريدا زوّروا الاقتراع في ولاياتهم باستغلالهم وسائل الاقتراع الكلاسيكية: التزوير في القوائم الانتخابية، سرقة الأصوات الانتخابية. عندما رفع "آلغور" شكواه أمام مجلس القضاء الأعلى في الولايات الأمريكية، بدا ذلك المجلس غير مجد و لا قادر على محاكمة ممارسة داخلية تحدث في مقاطعة فيدرالية. بل على العكس تماما،اعتبر ذلك المجلس أن مبدأ الأخذ بالرأي قد احترم. الإرادة الإلهية عبرت عن فكرتها...!
لم تستوعب الصحافة الأوروبية رهانات الانتخابات. اكتفت بالسخرية من عملية السلخ اليدوي المتواصل، من دون فهم أن اللعبة التي تدور كانت تعكس التناقضات القائمة بين المؤسسات التي صارت قديمة قدم الزمن، و الإرادة الشرعية للشعب ليختار ممثله. و لكن بعد خمسين سنة من الحملة الدعائية في الحرب الباردة، استطاع الأوروبيين أن يفهموا أن الولايات الأمريكية عبارة عن ديمقراطية في الوقت الذي كان يتهرب فيه " الآباء" من فلسفة الأضواء أكثر من الممارسات الدينية العنيفة و القائمين على المؤسسات نفسها، على رأسهم "جيمس ماديسون" و الحال أنهم لم يخفوا أبدا كراهيتهم للديمقراطية. مفاجأة الأصوات التي نظمها الإعلام و الجمعيات بعد المطالبة بالنتائج الحقيقية، أظهرت أن السيد غور قد نال بلا أدنى شك أكبر عدد من الأصوات سواء في فلوريدا أو على المستوى الفدرالي. نظرة إلى قوانين فلوريدا تدل أنه حظي بلا شك على اكبر عدد من المكاتب الانتخابية لتلك المقاطعة و التي تخول له رئاسة الولايات الأمريكية. ولكن لم يحدث ذلك. ظهر جورج دابليو بوش تحت صيحات الجمهور. تكلمت الصحف الأوربية عنه " كرئيس منتخب بالخطأ" مما سمح الاعتقاد أنه حاز على مقاليد السلطة بموجب أقلية استغلت الحالة المشوهة للانتخابات غير المباشرة، بينما كان الأمر في الحقيقة تزويرا.
فيما بعد، قمنا بإدانة الاستغلال الذي قامت به إدارة بوش لأحداث 11سبتمبر2001 لأجل فرض نظرية المؤامرة الإسلامية الدولية و لأجل تبرير في نفس الوقت إقصاء الحريات الشخصية داخل الولايات الأمريكية بالإضافة إلى جملة من الممارسات الحربية العنيفة الخارجية ضد الشعب الأفغاني و من ثمة ضد العراق. لقد تم السخرية منا من قبل زملائنا الفرنسيين عندما كشفنا عن مشروع غزو العراق. تم تشبيهنا بالمتآمرين مع صدام حسين عندما أعلنا أن التحقيقات التي قامت بها الأمم المتحدة مدعية أن العراق يحوز و منذ عشرية على أسلحة كيميائية و أنه لم تكن له أبدا أسلحة نووية. اتهمنا بأننا مناهضين للولايات الأمريكية عندما قمنا بإدانة عمليات التعذيب في "بيغرام" و غوانتانامو. لسوء الحظ و في كل مرة تعطينا بقية الأحداث الحق و الحال أن الذين أهانونا لم يجدوا أمامهم سوى العودة إلى اعتقادنا. و أيضا أمام الانتخابات الرئاسية لهذا العام 2004، وضعنا كمثال الفرقة القادرة على الوصول إلى السلطة عبر التزوير، و التي ذهبت إلى حد استغلال ذلك النفوذ لأجل الحد و إقصاء الحريات الشخصية الأساسية لن تقبل بترك السلطة بمحض إرادتها.بيد أن هذه الانتخابات ليست أكثر من السخرية نفسها، مسرحية تسعى إلى فرض شرعية لنتيجة نعرفها مسبقا. شرحنا في هذه الأعمدة منذ شهر يناير، أن اللجوء إلى جهاز التصوير الآلي من قبل 36 مليون ناخب تجعل من الصعب مراجعة كل النتائج. لهذا نرفض الدخول في جدال لا حد له. لقد حظينا بالتعاطف من قبل زملائنا الأمريكيين لنشر مقالات حول عملية التزوير ل2004. لكن، إن كان العديد من الأدلة ترتبط بذلك التزوير، إلا انه من الصعب تخمين خطورتها و هولها و بالتالي الوصول إلى خلاصة إن كانت غيرت بشكل واضح في النتيجة. في الوقت نفسه، يوجد شيء من المصداقية في الاقتراع لدى العديد من المناطق، و لكن من الصعب على السلطات أن تقدم الأدلة. فالمنظومة تم وضعها خصيصا كي لا تظهر الحقيقة، مهما انتخب الناخبون، فإن السيد بوش هو الذي سيفوز!
الذين يعلنون عملية التزوير ل2004، عندهم معركة تأخير. المسألة ليست فبركة مؤقتة، و لكن التغيير الجذري و العميق للمنظومة السياسية الأمريكية منذ أربعة أعوام. حان الوقت كي نفتح أعيننا على طبيعة نظام بوش و التوقف ليس عند نقد فقط الجوانب التي نحن أنفسنا ضحيتها. من المخجل أن يشتكي المرء بأن صوته الانتخابي قد سرق عندما، في الوقت نفسه، يوجد آلاف من الأشخاص محاصرين سرا في البلاد، و بينما يمارس جيش مزود بكل الوسائل الحربية المتطورة حرب إبادة ضد سكان الفلوجة.
الحملة الانتخابية الأكثر كلفة في التاريخ البشري لم يكن هدفها المقاسمة بين المرشحين، و لكن، كان هدفها إعطاء العالم الاعتقاد أن ثمة عملية ديمقراطية. الصحافة الغربية أسهبت في تخيل فوز جون كيري. لكن الأمر لم يحدث، و الواقع ظل نفسه قائما: الأمريكيون.. حلفاؤنا إبان الحربين العالميتين و إبان الحرب الباردة، يجسدون اليوم كل الأشياء التي حاربناها معهم في السابق.
رعبا من الحقيقة، قبلت الصحافة الغربية كل الأكاذيب و الدعاية التي قدمت. أهم اليوميات يومها قالت أن السيد بوش نال أخيرا الشرعية التي كانت تنقصه سنة 2000. و الدليل: أنه أصبح " الرئيس المنتخب من قبل أكبر عدد من الأصوات" في تاريخ بلاده. انه قطعا التقديم الكاذب الذي لا يأخذ بعين الاعتبار بالتطور الديموغرافي الذي إن أعدناه إلى إشكالية النسب يحدث العكس: رغم كل الادعاءات التي قيلت لم يحصل السيد بوش إلا على 51%، أي أضعف نسبة منـذ " ودرو ويلسون"، قبل قرابة القرن من الزمن.
لم نقدم في هذه الأعمدة سوى الانتخابات المحلية التي جرت بتاريخ 2نوفمبر و التي كانت لصالح الجمهوريين، بالتحديد داخل حزبهم لصالح المتطرفين ضد المعتدلين. بهذا الشكل، يمكن لرئيس غير شرعي أن يعتمد على مساندة المجلس الذي صار مستجيبا لقضيته.
الكابوس الذي نعيشه اليوم بدأ في الحقيقة منذ أربعة أعوام.