تعقيب على مقال د. حازم نهار “منتدى الأتاسي طليقاً” )
أخشى أن يفهم القارئ من مقال زميلي ورفيقي الدكتور حازم نهار الذي كتبه بعد تجربة اعتقاله واعتقال زملائه في مجلس إدارة المنتدى ، أن خطف الناس من منازلهم قضية بسيطة ، وأن الاعتقال السياسي قد توقف ، أو أن المظلومين في السجون الأمنية قد تنفسوا نسيم الهواء النظيف.
وأخشى أن يفهم من وصفه لمنتدى الأتاسي بكلمة “الطليق” ، أن زميله علي العبد الله قد خرج لأولاده سالماً ، وهو الذي كلفته لجنة المنتدى ذاتها بأداء هذا الدور. أو أن حبيب عيسى قد خرج من زنزانته الانفرادية التي ما يزال فيها منذ أربع سنوات ، أو أن الشعب السوري كله بما فيه المنتدى ، قد تمتع بأبسط حقوقه السياسية .
أخشى أيضا أن يفهم القارئ أن الـ “حوار” يمكن أن يجري أثناء الاعتقال في مكان كقبو فرع الفيحاء ، ومع رجال أمن مهمتهم مكافحة الجريمة ، أو نعترف أننا مجرمون ، لكي يتعاملوا معنا بطريقة أمنية بعد التوقيف ، و أن المعاملة يمكن أن توصف بأنها “نظيفة” والحديد في أيدينا والحراس من حولنا .. ووو .. أو أن الغرف والأدوات التي نجبر على استعمالها يمكن أن تليق بالبهائم «لأنني متأكد أن البطانيات والغرف لم تعرف الغسيل منذ الثامن من آذار عام 1963 يوم كانت دمشق فيحاء فعلاً تغص بالياسمين ولا تغص بالسجون» .. أو أن التعامل النظيف يشمل أيضاً الضرب الذي تعرضنا له في الشارع ثلاث مرات في أسبوع واحد عندما خرجنا للاحتجاج على اعتقال المنتدى .
أخشى كل هذا , لأنني أعتبر أن الاعتقال هو أكبر إهانة للسياسة والسياسي والرأي العام معاً . ولا أنصح أحد بقبول هذا النوع من الحوار لأنه قد ينتهي كما انتهى معنا يوم 19/5/2002 ويوم 2/6/2002 عندما لم يقتنع الطرف الآخر بوجهة نظر ضابط كبير في ذات جهاز الأمن هو رئيس الفرع السابق ، فوجه الرفسات واللكمات إلى وجه عارف دليلة وبطن وظهر حبيب عيسى ، وغيرهم ، بحضور ومساعدة بقية فريق “الحوار” «اقصد نائب رئيس الفرع ورئيس السجن ومساعدي التحقيق» . و لا أنصح أحد بأن يستدرج لزيارة أي ضابط أمن ليجلس أمامه يستمع لأوامر التعذيب والاعتقال وللاتصالات الصحيحة والخلبية ، لأنه لا هو مكلف بالحوار نيابة عن الشعب ، ولا رجل الأمن مخول تغيير التعليمات الموجهة إليه ، فأي حوار هذا ، وأي صداقة يمكن أن تقوم ، وأي قهوة يمكن أن تشرب ، القضية بسيطة إما تهديد أو توظيف ، ولا أجد موضوعاً آخر يفعله من يترددون دوماً على مكاتب الضباط ، فإذا كانوا ذاهبين بإرادتهم فهذا يعني أنهم غير ذاهبين لسماع التهديدات ، بل لسماع ؟؟ !!! ؟؟؟ !!! .
أخشى أيضاً أن يفهم القارئ أن نوعاً من الجريمة قد حدث في المنتدى لأن الجريمة المشار إليها موضوع الاعتقال هي «قراءة ورقة منشورة وموجودة في كل مكان وتدعوا للمصالحة والسلم الاجتماعي» ، ألم يكن الأحرى بالسلطات أن تشكرنا ، لأننا نشجع تحول بعض التيارات لسلوك طريق العمل السلمي والقبول بالديمقراطية ، لكن ماذا نقول إذا كانت العقلية ذاتها التي تتعاطى مع كل ما هو سياسي على أنه أمني ، ويخص أمن الدولة «أي أمن السلطة المستبدة الحاكمة التي تظن نفسها أنها الدولة والوطن برمته» هي ذات العقلية التي نجبر على حوارها مكبلين ، و على العمل تحت قانونها الذي يحرم علينا حتى النباح ، ونحن نتساءل متى كانت الحقوق بحاجة لقوانين وتراخيص ، «هل علينا أن نكرر أننا أحرار ولدتنا أمهاتنا أحرارا ، وأننا سنمارس حريتنا شاء من شاء وأبى من أبى» وأن على من يريد أن يحقق معنا ويسألنا ، أن يجيب هو أولاً على أسئلتنا وما أكثرها ، والتي تبدأ بسؤال من فوضك ومن نصبك وصياً علينا ، وكيف جرى هذا التفويض , وماذا فعلت بكذا أو بفلان وو .. وتنتهي بسؤال من أين لك هذا الذي في البنوك والفيلات والشركات؟
أخشى أن تفهم المسألة السياسية في سورية بالبساطة التي أوحى بها المقال ، أو أنها قد حلت بخروج هيئة المنتدى ، أو أنها قابلة للحل بطريقة الاعتقال والتفاوض ثم الخروج / بعد توضيح الموقف / لأنه ما يزال لدينا سجون ومهجرين ومفقودين وقمع وتعذيب وتجريد واضطهاد واحتكار وفساد وتخريب وووو ..
أخشى أن رائحة / طبيخ / قد بدأت تخرج من قبو الفيحاء الذي أعرف تفاصيله كلها ، لكوني قد مررت فيه ذهاباً وإيابا في تجربة سجني السابقة ، وأذكر أنه الآن في الجناح 2 من السجن المركزي التابع مباشرة لفرع الفيحاء / تحديداً في أول غرفة من الجناح التي قسمت لسبع زنازين / يوجد الآن أربعة من سجناء ربيع دمشق ليس لهم ذنب سوى إبداء الرأي المحق والصادق “رأيهم هم وليس رأي غيرهم من الإخوان”، وهم ما يزالون لذات السبب في زنزانات انفرادية محرومين من أبسط حقوق السجين منذ حوالي أربع سنوات، لسبب بسيط أنهم رفضوا منطق الحوار مع الاعتقال ، ولذلك أيضاً لم تبادر السلطات ذاتها في ذات الفرع حتى الآن ، لتحسين ظروفهم ولو قيد شعره ، ونحن لم نكف عن مطالبتها بحقوقهم كسجناء وفق القانون السوري ، لكن عبثاً نتكلم ومع من نتكلم .
وأذكر أن أسماءهم هي : عارف دليلة وحبيب عيسى «الناطق باسم منتدى الأتاسي قبل أن يصبح منتدى ؟؟ !!» وفواز تللو ووليد البني ، دون أن ننسى النائبين مأمون ورياض ، لكونهما في الجناح المدني من ذات السجن . ورائحة الطبيخ فاحت أكثر عندما صرنا نسمع عن اعتقال مشتبه ، أو يشبه الزيارة ، ومحاكمات طليقة تسمح حتى بمغادرة البلاد ، ومعاملات راقية ، ومساجين سياسيين يتجولون في طول وعرض السجن المدني ويقومون بزيارة رياض سيف في غرفته كل يوم .. ؟ في حين أن الهواء ممنوع على حبيب وعارف ووليد وفواز وفي نفس السجن ؟؟!!.
أيضاً كنت أتوقع من لجنة المنتدى أن تطلعنا على تفاصيل “الحوار” الذي جرى بينها وبين الأمن الذي اعتقلها «بطريقة نظيفة ثم تفهم وجهة نظرها وأطلقها». وكذلك عن حيثيات اتخاذ قرار مراسلة الإخوان وقراءة ردهم .. عندها قد نستطيع تحديد مضمون وهدف ما تعرض له المنتدى ، والذي لم يكن بريئاً وعفوياً ، بعد أن نجح المخلصون في إعادة روح الأتاسي الحرة لتخيم على المنتدى الذي يحمل اسمه في الأشهر الأخيرة فقط.
أتمنى على السيدة سهير الأتاسي التي نثق بذكائها وإخلاصها ووفائها ، و بصفتيها ( بنت الدكتور جمال الأتاسي ، ورئيسة المنتدى ) أن تضع النقاط على الحروف وتوضح موقفها وتفاصيل ما جرى بحضورها “وغيابها” للرأي العام ، وأدعوها لانتهاز هذه الفرصة من أجل “إعادة تأسيس” أو تجديد هيئة المنتدى وفق معايير تتعلق بحجم ونسبة المشاركة في نشاطات المنتدى وفي النشاطات المتعلقة بالدفاع عنه وعن رموزه ، وقيمه وأهدافه ، وليس معايير سياسية “وجاهية و إقطاعية” تعرقل المنتدى وتعيقه وتحرفه عن أهدافه .
وفي انتظار ذلك أحب مرة أخرى التذكير أن المؤسس الفعلي لمنتدى جمال الأتاسي ، و لجمعية حقوق الإنسان في سوريا ، والجندي الحقيقي في حركة ربيع دمشق ، ما يزال قيد السجن الانفرادي وممنوع من كل شيء ، وأن عدداً من أقرب رفاقه قد تناسوا قضيته ، حتى لا نقول قد خانوه ..
كل التحية إلى حبيب عيسى وزملائه في السجن الذين انضم إليهم أخيراً علي العبد الله ومحمد رعدون ، وعهداً ألا ننساهم ، وألا ننسى كل سجناء الضمير ، رموز الحرية في سورية ، وألا نبدأ أي حوار مع السلطات “لا الأمنية ولا السياسية” قبل إطلاق سراحهم جميعاً ، فالحوار “ناهيك عن المشاركة في الحكومة” لا يجب أن يجري قبل ذلك ، أو أن يجري خارج مؤتمر المصالحة الوطني ، الذي تشارك فيه كل الفعاليات الوطنية على قدم المساواة .