القاسم المشترك بين البيان الاميركي الذي جمد ارصدة غازي كنعان ورستم غزالة والبيان السوري المنتقد للخطوة هو التصعيد الاخير في جنوب لبنان.
فواشنطن التي فضلت ربط خطوتها بزعزعة الاستقرار ودعم الارهاب، استاءت مما اعتبرته تصعيدا سوريا مبرمجا في اللحظة التي بدأ ارييل شارون تنفيذ فك الارتباط بغزة، وهي لذلك ردت في المركز لا في الاطراف، اي في دمشق نفسها من خلال اعلان تجميد الارصدة والتلويح بتوسيع الخطوة لتشمل مسؤولين آخرين سوريين ولبنانيين.
ودمشق التي سارت خطوات ملموسة في التعهدات التي نقلها اكثر من مسؤول عربي للادارة الاميركية سواء في ما يتعلق بانسحابها من لبنان او بخطوات حسن النية في العراق، كانت بحاجة ربما الى رسالة «مزارع شبعا» النارية في لحظة تحرك التسوية ولو على المسار الفلسطيني، من اجل اعادة الحركة الى حضورها الاقليمي في ما يتعلق بالمفاوضات بعدما تحولت الى الدفاع اثر النكسات المتواصلة التي منيت بها سياساتها الخارجية منذ اكثر من سنتين,,, لكن الرد الاميركي التصعيدي المباشر ضدها ونداء مجلس الامن الى السلطات اللبنانية عكسا صدى سلبيا لتلك الرسالة النارية وساهما اكثر في اضعاف الموقف السوري.
سورية اوضحت ان تجميد اميركا ارصدة كنعان وغزالة جزء من سياسة الضغوط عليها، ونحمد الله ان احدا من المسؤولين السوريين لم يسخف الخطوة ويعتبر قرار وزارة الخزانة الاميركية كأنه غير موجود او كأن سورية غير معنية به، مثلما حصل عندما اصدر مجلس الامن القرار 1559. وسورية بررت الاعلان الاميركي بأنه لصرف النظر عن الانتهاكات الاسرائيلية وهي تعلم تماما انه حلقة في سلسلة من التشابكات السلبية لن تنتهي الا بتغيير جذري في اسلوب ادارة الملفــات الاقليمية,,, ولكن الملــفت في الموضوع هــو غيــاب رد الفعل السوري عن قضية مهمة قد تخفف من التأثيرات السلبية لموضوع تجميد الارصدة.
فالمعروف ان وزير الداخلية السوري غازي كنعان ورئيس جهاز الامن والاستطلاع سابقا في لبنان رستم غزالة ينتميان الى المؤسسة العسكرية السورية وليسا من رجال الاعمال والتجار الكبار واصحاب الشركات والمصارف, هما كما اعلنا دائما «جنديان في الجيش السوري» مهما كبرت رتبتاهما وتعدلت رواتبهما، وعليه لا يمكن ان يراكما ارصدة الى الحد الذي يستدعي تدخل اعظم دولة في العالم لتجميدها لا بل والطلب الى جميع الاميركيين «عدم التعامل تجاريا معهما او عقد صفقات».
والرد السوري كان يجب ان يتطرق فعلا الى هذه القضية لتفريغ القرار من مضمونه المباشر على المسؤولين المعنيين به بدل ان يركز على الجانب السياسي فيه، فمن حيث المبدأ، على وزارة الخارجية الاميركية دعم قرارها بما يفيد بوجود هذه الارصدة أولاً، وبحجمها ثانيا، وبالشركات والمؤسسات التجارية التي يملكانها او يتشاركان في ملكيتها واستدعت حظر تعامل الاميركيين معهما ثالثا، وبالنتائج المنتظرة من القرار رابعا,,, فاذا كان الرجلان لايملكان ارصدة “وهو المفترض” ولا علاقات تجارية لهما “وهو الطبيعي” تصبح القضية محصورة في جدوى القرار والنتائج المنتظرة منه، اي بداية استهداف الرموز الامنية السورية مدخلا لإقصاء دورها عن الترتيب السياسي الاقليمي الجديد، وبالتالي اضعاف النظام الامني السوري الذي ليس سرا انه يهيمن على النظامين السياسي والاجتماعي.
قد يقول البعض ان سياسة تجميد ارصدة الافراد لن تجدي نفعا على المدى الطويل، فليبيا تعرضت الى تجميد ارصدتها كدولة لأكثر من عشر سنوات وايران ما زالت ارصدة كثيرة لها مجمدة ومع ذلك فالاولى تصالحت بعنف مع المجتمع الدولي والثانية تعايشت معه وان بصعوبة، لكن سورية ليست ليبيا وليست ايران، وعلى المسؤولين فيها “الذين لا يخفى عليهم بالطبع وجود ارصدة او عدم وجودها” متابعة الجهود لحل المشاكل الرئيسية مع الولايات المتحدة وهي معروفة ومحددة، وعندها سيضاف الى حسابها انجاز مهم والى رصيدها نجاح كبير,,, لا يهزه رصيد صغير مهرب هنا أو «فالت» هناك,