كثرت الاستطلاعات الخاصة بمشاعر الناس حول العالم تجاه الولايات المتحدة وأصبحت الأرقام التي تشير إلى مشاعر العداء لأمريكا أرقاماً معهودة ولذلك لم يكن هناك من يلفت النظر في الاستطلاع الجديد الذي ظهرت نتائجه الأسبوع الماضي. ولكن هذا الاستطلاع الذي نظمته وكالة بيو غلوبال أظهر مرة أخرى أن معظم الفرنسيين لا يكنون مشاعر ود تجاه الولايات المتحدة وأن الأسبان يفضلون الصين على أمريكا وأن رأي الكنديين عن الولايات المتحدة قد تدنى بصورة مثيرة. ومرة أخرى قالت الاستطلاعات نصف الرواية فقط.
ذلك لأن استطلاعات الرأي حتى وان خرجت بأسوأ النتائج تظهر دائماً نسبة معينة من المؤيدين لأمريكا حتى في البلدان الأكثر كراهية لأمريكا. فقد اظهر الاستطلاع الجديد أن نسبة %43 من الفرنسيين ونسبة %41 من الألمان ونسبة %42 من الصينيين ونسبة %42 من اللبنانيين قالوا انهم يحبون أمريكا. وعليه ربما حان الوقت لنسأل: من هم أولئك الذين يحبوننا. في الواقع اننا عندما نقوم بتقسيم المؤيدين والمعادين لأمريكا حسب العمر والدخل ومستوى التعليم فاننا نصل إلى أنماط ونتائج علمية يمكن الاعتماد عليها. مثلا يتضح لنا في بولندا، البلد المؤيد بصورة عامة للولايات المتحدة، أن الناس في الفئة العمرية من 30 إلى 44 سنة هم أكثر تأييداً لأمريكا بالمقارنة مع بقية مواطنيهم. فهؤلاء المواطنون من الفئة العمرية المذكورة هم الذين كانت حياتهم ستتأثر بصورة أكثر مباشرة بممارسات حركة تضامن والاحكام العرفية، وهي الأحداث التي وقعت عندما كان هؤلاء في سنوات المراهقة وهم أيضاً يتذكرون جيداً المساعدات التي قدمتها أمريكا للمعارضة البولندية التي كانت تعمل تحت الأرض.
وتظهر تلك التحليلات أيضاً أن في بعض البلاد التي تظهر فيها معادة أمريكا بصورة أوضح كما في كندا وبريطانيا وإيطاليا واستراليا فان الناس فوق عمر 60 سنة يبدون مشاعر أكثر ايجابية تجاه الولايات المتحدة بالمقارنة مع ابنائهم وأحفادهم. فهؤلاء الناس، كبار السن، هم الجيل الذي عاش تجارب ايجابية مع الولايات المتحدة التي تعاونت معهم خلال الحرب العالمية الثانية.
وهنا لابد من القول إن الناس حول العالم لا يحبون أو يكرهون أمريكا فقط لمجرد اتباع موضة أو نتيجة للاصابة بفيروس معادة أمريكا ولكنهم يتخذون موقفاً منها بناء على تجاربهم الشخصية معها.
ولكن الاستطلاعات تظهر أيضاً ان التجارب السياسية المباشرة لا تمثل العامل الوحيد الذي يشكل مفاهيم الناس حول العالم عن الولايات المتحدة. هناك الكثير من الأجانب الذي يتطلعون لأن يعيشوا في نفس مستوى الرفاهية التي يعيش فيها الأمريكيون. مثل هؤلاء الناس يميلون نفسيا وعاطفيا نحو أمريكا.
في بريطانيا مثلا نجد أن نسبة %57.6 من ذوى الدخل المنخفض يعتقدون ان للولايات المتحدة تأثيراً ايجابياً على العالم بينما نجد أن نسبة %37.1 من ذوى الدخل المرتفع لديهم نفس الاعتقاد. وعندما نقوم بتقسيم الاجابات حسب المستوى التعليمي يظهر لنا نمط مشابه. في كوريا الجنوبية نجد نسبة %69.2 من ذوى المستوى التعليمي المنخفض يعتقدون ان للولايات المتحدة تأثيراً ايجابياً في العالم بينما نجد ان نسبة %45.8 فقط من أصحاب المستوى التعليمي العالي يتفقون معهم في الرأي. هذا الاتجاه لا يعيد نفسه فقط في أوروبا وانما في كثير من الدول المتطورة الأخرى. وعليه يمكننا القول إن الناس الذين في مرحلة الصعود يحبون أمريكا، واولئك الذين حققوا طموحاتهم ويشعرون بالخوف من الآخرين الطامحين لفعل نفس الشيء، أقل تعلقا بأمريكا. في الدول النامية نجد أن هذا النمط يسير في اتجاه معاكس ففي الهند مثلاً يكون الناس أكثر ميلاً نحو أمريكا إذا كانوا من الشباب أو الاثرياء أو من ذوى التعليم الجيد.
ولا عجب في ذلك لان الهند لم تنفتح أمام الاستثمارات الأجنبية إلا مؤخراً وبسبب ذلك نجد ان الشباب الهنود لديهم تجربة مع الأمريكيين بينما لم يحظ آباؤهم بهذه التجربة. والفقراء في الهند لم يتأثروا بعد بالعولمة ولكن الطبقات الوسطى والعليا أكثر تطلعاً نحو أمريكا. وتظهر الاستطلاعات أن نسبة %69 من الهنود من ذوى الدخول المرتفعة يعتقدون ان للولايات المتحدة تأثيراً ايجابياً في العالم بينما توافقهم في هذا الرأي فقط نسبة %29 من ذوى الدخول المنخفضة.
نفس هذه الظاهرة تتكرر في أماكن أخرى مثل فيتنام وأندونيسيا والبرازيل والفلبين.
صحيح أن المحبين لأمريكا ربما لا يكونون أغلبية في العالم أو في أوطانهم ولكن لهم أهمية لا يستهان بها. المؤيدون لأمريكا سيصوتون للسياسيين المؤيدين لأمريكا والذين يفوزون في بعض الأحيان، حتى في أوروبا. وهؤلاء من المحبين لأمريكا سيشترون أيضاً المنتجات الأمريكية ويعقدون صفقات مع الشركات الأمريكية ويقضون اجازاتهم في أمريكا إذا منحناهم تأشيرات دخول لهذا الغرض. وعليه فهم جديرون بالاهتمام من خلال الخطب الرئاسية والزيارات الدبلوماسية لأن أعدادهم ستزيد إذا ما توسعت اقتصادياتهم وأصبحت أسواقهم أكثر انفتاحاً وإذا ما بدأوا في النظر إلى اقتصاد العولمة كوعد لا كتهديد.