ندد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 20 آب الجاري، من العاصمة الروسية، بالتعليمات التي أصدرتها الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى جميع الوكالات التابعة لها، والتي تحظر فيها المشاركة بأي شكل من الأشكال في الجهود الرامية إلى إعادة الإعمار في سورية. وقد استند الوزير لافروف في تنديده إلى وثيقة تحت عنوان «أسس ومبادئ المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة»، موقعة في تشرين الأول من العام الماضي 2017 من جيفري فيلتمان، مدير الشؤون السياسية والرجل الثاني في الأمم المتحدة، آنذاك.
وعلى الرغم من أن هذا النص يتعارض مع أهداف الأمم المتحدة، إلا أن الأمانة العامة للمنظمة الدولية تبنته، ودافعت عنه.
فضلا عن ذلك، لم تشارك أي من الدول الأعضاء في المنظمة بصياغة الوثيقة المشار إليها، ولم تكن على علم بوجودها أساساَ.
والغريب في الأمر أن هذه الوثيقة تتوافق مع وجهة نظر حكومتي بريطانيا وفرنسا، وليس مع البيت الأبيض.
كما أكد الوزير لافروف أنه طلب إيضاحا لهذا الأمر من الأمين العام للمنظمة، الاشتراكي البرتغالي انطونيو غوتيريس. وهذه على حد علمنا، المرة الأولى التي تتشكك فيها دولة عضو في مجلس الأمن، بوثيقة سياسية داخلية صادرة عن الأمانة العامة.
بيد أن هذه المشكلة ليست جديدة.
ففي نهاية عام 2015، أخذت روسيا علماً، على حين غرة، بوجود عدد من الوثائق الداخلية للأمم المتحدة، منها ما صار معروفاً باسم «خطة فيلتمان لسورية». وهي في الواقع خطة مُفصلة للاستسلام الكامل، وغير المشروط للجمهورية العربية السورية، حتى إنها أكثر قسوة من خطة الاستسلام التي فرضها الجنرال ماك آرثر على اليابان عقب الحرب العالمية الثانية. وقد قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذلك الحين توخي الحذر بالحفاظ على الطابع السري للوثيقة، والتفاوض مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لإنقاذ الأمم المتحدة. بيد أن شيئاً لم يتغير من الناحية العملية: فقد أعاد غوتيرس تعيين فيلتمان في منصبه نفسه، فأنتج الأخير وثيقة ثانية لتخريب جهود السلام في سورية. وعلى الرغم من حلول سيدة أميركية، روزماري ديكارلو مكانه مؤخراً، إلا أنها لم تناقض تعليمات سلفها.
ومن هذه النقطة يطرح السؤال نفسه: هل مرتبة غوتيريس فعلياً أعلى شأناً من مرتبة السيدة ديكارلو، أم إن هناك تسلسلاً هرمياً مزدوجاً داخل الأمم المتحدة، واحد منهما عام مؤيد للسلام، وآخر مجهول يدفع نحو الحرب؟
في 22 آب الجاري، أي بعد يومين من تصريح وزير خارجيته ضد الأمم المتحدة، تعليقا على عقوبات واشنطن على بلاده، صرح الرئيس فلاديمير بوتين: «ما يهم ليس فقط موقف رئيس الولايات المتحدة، بل موقف المؤسسة التي تدعي أنها الدولة، والطبقة الحاكمة بالمعنى الواسع للمصطلح».
وأضاف: «آمل أن يدرك الجميع أن هذه السياسة لا مستقبل لها، وأن يلامس هذا ذات يوم مسامع شركائنا، لنبدأ التعاون معاً بصورة طبيعية».
أجل، لقد قرأتم جيداً تأكيد الرئيس بوتين أنه لا توجد سلطة واحدة، بل اثنتان في الولايات المتحدة. الأولى مؤلفة من أعضاء الكونغرس المنتخبين، والرئاسة. والثانية سلطة غير شرعية، لكنها الأقوى في أغلب الأحيان.
وفي غضون يومين فقط، تمكن الاتحاد الروسي من التشكيك بتماسك الأمم المتحدة ومعها الولايات المتحدة.
فمن وجهة نظر موسكو، ينبغي إنهاء الحرب العدوانية التي يشنها الغرب بالوكالة عن طريق الجهاديين على سورية، ورفع العقوبات الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكندا ضد روسيا.
وفي الختام، هناك تسلسل هرمي مزدوج وخالٍ من أي شرعية، في نيويورك وواشنطن، يهدف إلى إغراق العالم في صراع شامل، لانهاية له.