الحملة التي يقودها البيت الأبيض لإجبار كوفي عنان على الاستقالة استغلت في البداية مبادلات الصحف في العراق و المملكة المتحدة و الولايات الأمريكية. ثم جندت مكتب الاستعلامات المركزية، برلمانيين جمهوريين و جمعيات.
بتهمة الفساد، كان الأمين العام للأمم المتحدة مشلولا. لكن مرة أخرى، صاغ البيت الأبيض إجماعا البيت الأبيض نفسه، معززا دون تعمد سلطة السيد عنان.
بتاريخ 8 ديسمبر2004، قام أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة
، للهتاف له. فقط البعثة الأمريكية بقيت جامدة، بينما تعالت التصفيقات طويلا. دبلوماسيو 190 بعثة أبدوا مساندتهم للأمين العام تصديا لحملة إعلامية تطالب باستقالته.
كل شيء بدأ بتاريخ 24 يناير الأخير، عندما أكدت يومية " المدى" العراقية أن صدام حسين اختلس أموال برنامج " النفط مقابل الغذاء" لارتشاء 270 شخصية في العالم، قصد الحصول على دعمهم على الساحة الدولية، و محاولة الحصول على التجهيزات لصناعة أسلحة الدمار الشامل. المعارضون للحرب لم يكونوا في الحقيقة إلا " زبائن" ديكتاتور بغداد. أظهرنا في هذه الأعمدة سخافة هذه التصريحات [1]
تحقيقنا تناقلته الصحافة الدولية بشكل واسع [2]. شهر فيما بعد، اتهمت كلوديا روسيت، الصحفية التابعة للمحافظين الجدد، في جريدة " وال ستريت" كوفي عنان بالتواطؤ [3]
الأمين العام للأمم المتحدة ترك صدام يختلس مبالغ مالية كبيرة من برنامج " النفط مقابل الغذاء " و هي الأموال التي حـُوّلت إلى الشخصيات المتهمة من قبل جريدة " المدى". تأخذ السيدة روسيت راتبها من معهد " هيدسون" التابع لريتشارد بيرل ( وقتذاك رئيسا لمجلس الدفاع في البنتاجون) و المؤسسة للدفاع عن الديمقراطية التابعة لجيمس وولسي ( الرئيس السابق لمكتب الاستعلامات المركزية).
بتاريخ 29 فبراير، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقا طويلا، استند على ملفات ممنوحة من السلطة المؤقتة و التحالف و هيئة الخزينة، و مدعومة بشهادات تثبت الاختلاسات [4]
بتاريخ 3 مارس، كلود هانكس/ دريلسوما، صديق لأحمد الجلبي ، و مستشار مجلس الحكومة العراقية الذي منها جاء التأكيد كمُـخبر محتمل لجريدة المدى. أسبوعا من بعد ذلك، تسربات من مراقب الحسابات، نشرتها كلوديا كروسيت في " National Review"، كشفت أن " كوجو عنان" ابن الأمين العام، كان يحصل على راتب من " الكوتكنا"، مؤسسة من برنامج " النفط مقابل الغذاء" [5]لم يكن كوفي عنان إذن موظفا غير كفؤ فحسب بل كان نفسه فاسدا!
بتاريخ 18 مارس، امتزجت اللجنة الفرعية للمراقبة و الاستقصاء للمجلس المالي لغرفة المنتدبين بالقضية [6]
أمام هذه الحملة، أمر السيد عنان بتحقيق داخلي. قام به بجدية بحيث أن البرنامج لم يكن تحت مسؤوليته، بل تحت مسؤولية مجلس الأمن و لجنة العقوبات تم تعيينها من هذا قبل الأخير.
القضية قفزت إلى السطح بتاريخ 7 أبريل، مع السلطات التي نظمها "ريتشارد ج. لوغار" أمام لجنة الشيوخ للعلاقات الخارجية " [7]
, السيناتور المحترم اتهم هيئة الأمم المتحدة بأنها ضاعفت، عن إهمال أو فساد، من معاناة الشعب العراقي، مموّلا مشتريات العراق فيما يخص الأسلحة، وقطعيا، التسبب في الخسائر الأمريكية إبان " تحرير" العراق. مدير المركز العام للمحاسبة و هي نوع من محكمة الحسابات المودعة حينئذ أقام تقريرا بأنه من 1997 إلى 2002، حصل العراق 5.7 مليار دولار عن مبيعات النفط غير الشرعية، و 4.4 مليار دولار من تضخيم الفاتورات البترولية، أي مجموع من 10.1 مليار دولار [8]
المركز العام للمحاسبة (GAO)، أعلن أنه امتلك تلك المعلومات من دراسة عقود منحت إلى السلطة التحالف المؤقتة ( المقدمة للجلسات). لم يعط أي إشارة محددة حول كيفية حصول ذلك الاختلاس، و لا عن طريقة استخدام ذلك المال.
بتاريخ 16 أبريل، نشرت "كومونتاري" المجلة التابعة لمجلس يهود أمريكا، دراسة طويلة بقلم كلوديا روسيت مقدمة نظرية المحافظين الجدد للقضية [9]
. برغم الخطأ الواضح في التحاليل، كان ذلك العمل سيفرض كمرجيعة للمحافظين الجدد. لم يثر مناقشة، بل انتشارا. في نفس اليوم، أعلن كوفي عنان عن تشكيلة لجنة التحقيق المستقلة. ستكون برئاسة المسؤول السابق في المخزن الفدرالي الأمريكي، بول فولكير. ثم، بتاريخ 21 أبريل، اللجنة الفرعية للأمن القومي لغرفة المنتدبين نظمت جلسات جديدة، ليس لتوضيح الوقائع بقدر ما كانت لإثبات أن كوفي عنان تلقى رشوة من صدام حسين [10]
علاوة على الرسميين الأمريكيين ( من ضمنهم السفير جون نيغروبونت)، استمع أعضاء البرلمان إلى كلوديا روسيت، بالإضافة إلى الدكتور "رافيلي على موقع ميمري" (مركز الدعاية الذي أسسه ضباط من الجيش الإسرائيلي التساحل و الذي نشر مقالات عن جريدة المدى ) "نيل غاردينر" من مؤسسة التراث و الدكتور "إدوارد س.لوك" من مركز التنظيمات الدولية في جامعة كولومبيا [11]
حدث أن عدد من الملفات العراقية المذكورة أثناء الجلسة سبق نشرها في الدايلي تليغراف اللندني، و الذي تملكه جماعة " Hollinger " في مجلس الإدارة الذي منه استقر ريتشارد بيرل ( مسؤول كلوديا روسيت في معهد "هيدسون"). أكدوا أن النائب العمالي جورج غلواي، زعيم الحركة المناهضة للحرب، اشتراه صدام حسين لقاء على الأقل 375.000 جنيه. ملفات أخرى، جاءت من نفس المصدر، تم نشرها من قبل "كريستيان سيانس مونيتور"، دائما لأجل اتهام السيد غلواي، و الذي تم إقصاؤه من حزب العمال. من وقتها و هو ينادي ببراءته و يصرخ أنها مؤامرة [12]
بتاريخ 8 جويلية 2004، نفسها اللجنة الثنائية للطاقة لغرفة المنتدبين التي قامت بجلسات جديدة، دائما مع كلوديا روسيت [13] ,المركز العام للمحاسبة(GAO) استغل الأمر لتقديم تقرير جديد [14]
قفزة جديدة، يوم 30 سبتمبر، مع نشر من قبل مركز الاستعلامات المركزية لتقرير بقلم "شارل دويلفير" حول البحث عن أسلحة الدمار الشامل [15] علمنا أنه حتى لو لم تكن الأسلحة موجودة فكانت ستوجد، لأن صدام حسين حاول الحصول عليها بفضل المال المختلس من برنامج " النفط مقابل الغذاء". أولا، مركز الاستعلامات المركزية أعلن قائمة جريدة " المدى" كاملة!
بتاريخ 17 نوفمبر، حددت لجنة العلاقات الدولية لغرفة المنتدبين الطلقة. استمعت إلى منتدبي الـ"البنك القومي [16] بالفعل، وفق السيدة روسيت، البنك الفرنسي سيّر مجموعة البرامج [17]
. بعد ذلك، نقل الملف لتتمة التحقيق إلى اللجنة الفرعية للأمن القومي [18]
في ذلك الوقت، نشرت جمعية "Move America Forward " مناشير إشهارية على القنوات التلفزيونية الأمريكية منادية إلى طرد هيئة الأمم المتحدة خارج البلاد [19]
الأول من ديسمبر، السناتور "نورم كليمان" خطى الخطوة: في "الوال سترويت جورنال"، دعا إلى كوفي عنان إلى الاستقالة [20]
حسبه، حتى لو أن الأمين العام بريئا من التهم الموجهة إليه، فيجب عليه أن يصرف من الخدمة أثناء التحقيق. التحقت قناة فوكس نيوز بالحملة. على الخط تكلم، الصحفي "بيل أوريلي" عن " مؤسسة جنائية" التي حملت 20 مليـار دولار إلى صدام حسيـن (أي ضعف المبالغ التي قدّرها المركز العام للمحاسبة (GAO) [21]
محلل " مؤسسة التراث"، "نيل غاردينر"، قدّر الأمر ب21 مليار دولار [22] أعلن الرئيس بوش عن" ذهوله". برلمانيون انظموا إلى نداء كوليمان. آخرون قدموا اقتراحا عن قانون يضع شروطا للإيداعات الأمريكية للأمم المتحدة حتى اتضاح "حقائق" هذه الفضيحة. مجلس الشيوخ لمدينة نيويورك عارض مشروع توسيع بنايات الأمم المتحدة، هذا المبنى/الضيف الذي لم يعد مرغوبا فيه.
مع أن كل هذه الحملة تشهيرية. فقد اشرف مجلس الأمن على برنامج النفط مقابل الغذاء. لم تكن ثمة عملية يمكن القيام بها من دون علم الانجلوسكسونيين. العمولات الارتدادية الممنوحة كانت بضمان المملكة المتحدة و الولايات الأمريكية. أولئك الذين عـُيّنوا أنفسهم منتفعين، و هو ما يظهر أن جانبا من العمليات كان شرعيا. المنظومة لم تكن تمر عبر البنك الفرنسي (BNP)، لكن نصفها من قبل " Chase Manhattan Bank". إن كانت استقامة مسؤول كبير في الأمم المتحدة، القبرصي بينون سيفان، مشكوك فيها، فالتي تخص السيد عنان ليست كذلك. المبالغ الذي قبضها ابنه، كانت من شركة تركها و التي دفعت له اشتراط لا منافسة. جانب من الملفات المذكورة كانت مزورة، كما أكدتها المحكمة العليا بلندن التي اتهمت بشكل تتابعي " Christian Science Monitor " و " الدايلي تلغراف" لاتهامهما الصادر ضد "جورج غالواي". كان الأمر يتطلب أكثر من سنة لتبرئته و لا يريد الانجلوسكسونيين أن يمنحوا هذا الوقت للسيد عنان.
الأهداف من هذه الحملة
أولا، إعادة كتابة التاريخ. برنامج " النفط مقابل الغذاء" تم نزعه من قبل المجتمع الدولي من أيدي الانجلوسكسونيين الرافضين رفع الحصار لتجنيب المجاعة. الحصار أدى بحياة مئات الآلاف من العراقيين.
ثانيا، تبرير في وقت لاحق اجتياح العراق. طبعا، لم تكن هنالك أسلحة دمار شامل، لكن صدام حسين أراد أن يشتري منها باختلاسه المال الموجه إلى إطعام شعبه. و الحال أن ذلك المال لم يصرف في التسليح، بل أغلبه دفع في المواد ذات الأولوية الضرورية.
ثالثا، الفرصة الجيدة للتخلص من أمين عام كان قد نـُصّب بدعم من واشنطن و لم يعلن بأن احتلال العراق " غير شرعي". صيغت القضية بعد أن تم وضعه تحت المراقبة الهاتفية [23]
و محاولة جرّه إلى فضيحة.
في الأخير، إقصاء عنان، يعني التشكيك في الأمم المتحدة نفسها. التأكيد بان قانون الأقوى يهيمن على القانون الدولي.
المجتمع الدولي لم ينخدع بهذا التدليس. دول و هيئات غير حكومية، شخصيات ساندوا كوفي عنان، بالهتاف الجماهيري من الجمعية العامة للأمم المتحدة. بسرعة تراجع البيت الأبيض. السفير دانفورث طمأن الصحافة أن واشنطن لم يكن لها أدنى نية في ممارسة الضغط على السيد عنان!
ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: ياسمينة صالح جميع الحقوق محفوظة 2004©
[1] " فضيحة براميل النفط العراقي"، فولتير، 30 يناير 2004.
[2] أنظر مثلا مقال " عبد المجيد عطار"، رئيس مجلس إدارة شركة "سونتراك" المنشور في دار الحياة، و الملخص في فولتير بتاريخ 6 فبراير 2004: " منح براميل البترول سريا؟ !"
[3] " The Real World : Fishy Accounting Over Iraq " بقلم كلوديا روسيت، وال ستريت جورنال، 25 فبراير2004.
[4] " Hussein’s Regime Skimmed Billions From Aid Program " تحت إدارة سوزان ساش، نيويورك تايمز 29 فبراير2004.
[5] "Kojo and Kofi " بقلم كلوديا روسيت، National Review Online،10 مارس 2004.
[6] " The Hunt for Saddam’s Money : U.S. and Foreign Efforts to Recover Iraq’s Stolen Money,US House Financial Services Subcommittee on Oversight and Investigations "، 18 مارس 2004.
[7] A review of the United Nations Oil-for-Food Program, US Senate Committee on Foreign Relations "، 7 أبريل 2004.
[8] Observations on the Oil for Food Program, Statement of Joseph A. Christoff, Director, International Affairs and Trade, GAO n° 04-651T،7 أبريل 2004.
[9] "The Oil-for-Food Scam : What Did Kofi Annan Know, and When Did He Know It ? " بقلم كلوديا روسيت، مجلة " كومونتاري"، 16 أبريل 2004.
[10] " فضيحة البراميل، تتمة و نهاية؟" فولتير، 19 أبريل2004
[11] " The Iraq Oil-For-Food program : Straving for Accountability, US House Government Reform Subcommittee on National Security, Emerging Threats and International Relations " 21 أبريل 2004.
[12] " من يريد فروة جورج غالواي"، فولتير، 17 جويلية 2003.
[13] Unites Nations Oil For Food Program, US House Energy and Commerce Subcommittee on Energy and Air Quality، 8 جويلية 2004.
[14] " Observations on the Oil for Food Program and areas for Further Investigations, Statement of Joseph A. Christoff, Director International Affairs and Trade, GAO " 8 جويلية 2004.
[15] omprehensive Report of the Special Adviser to the Director of the Central Intelligence on Iraq’s Weapons of Mass Destruction, CIA، 30 سبتمبر2004.
[16] " The Oil For Food Program : Tracking the Funds, US House International Relations Committee، 17 نوفمبر2004.
[17] " الحملة المناهضة لفرنسا من غرفة المنتدبين"، فولتير 18 نوفمبر 2004.
[18] The U.N. Oil for Food Program : Cash Cow Meets Paper Tiger, US HouseGovernment Reform Subcommittee on National Security, Emerging Threats and International Relations، 5 أكتوبر 2004.
[19] " من يريد طرد الأمم المتحدة من الولايات المتحدة؟"، فولتير،23 نوفمبر2004.
[20] « Kofi Annan Must Go ، The Wall Street Journal،1 ديسمبر2004. فولتير
[21] The O’Reilly Factor ، فوكس نيوز، 6 ديسمبر 2004.
[22] Kofi Annan Must Go ، بقلم نيل غاردينر، Human Events، 10 ديسمبر2004.
[23] " واشنطن و لندن تضعا الأمم المتحدة تحت التصنت"، فولتير، 4 مارس 2003.