كي لا يعتقد أحد أن دول العالم الثالث، ومن ضمنها الدول العربية، تعاني وحدها من الفساد، تتكاثر الشواهد على الفساد في "واحة الديموقراطية والشفافية" ـ اسرائيل!!! وفي حين يعتقد (80%) من الاسرائيليين أن سلطتهم فاسدة وأن الفساد يعشش في مختلف دوائر الحكم من قضاء ووزارات وأحزاب، يعتقد (44%) من الاسرائيليين بأن شارون شخصياً متورط بقضايا فساد عديدة. ويقول أليعازر غولدبيرغ، مراقب الدولة السابق في اسرائيل: "الفساد في اسرائيل أكثر خطورة من التهديدات السياسية والأمنية التي تتعرض لها اسرائيل، وإذا لم نستيقظ ستتدهور الدولة في هوة سحيقة وسنتحول قريباً الى جمهورية موز". وتناول غولدبيرغ في مقابلة أجرتها صحيفة "معاريف" الاسرائيلية تقارير وتحقيقات أثارت عواصف في اسرائيل ودعا جميع القوى السياسية الى محاربة الفساد والدفاع عن الديموقراطية وعدم التقليل من الانتقادات. كما عبر غولدبيرغ عن تخوفه الشديد من قانون الوظائف الذي عرضه بعض أعضاء الكنيست ووصفه بأنه قانون فاسد ومفسد.
وكانت مسألة الفساد في أوساط السلطة الحاكمة قد أثارت جدلاً حاداً في البرلمان الاسرائيلي "الكنيست" الذي دان عدد من أعضائه إدارة رئيس الوزراء شارون. وقد رأى الأخير في هذه الانتقادات حملة سياسية تهدف الى تلطيخ سمعة الليكود الحزب الذي يتزعمه. وما قاله غولدبيرغ هو لسان حال العديد من الاسرائيليين الذين أصبحوا يرفعونه شعاراً في وجه السلطات الأمنية والسياسية في الدولة العبرية التي أصبحت تحتل المرتبة السادسة عشرة بين الدول الأكثر فساداً في العالم.
بل ان الفساد تجاوز جميع الحدود في جميع مجالات الحياة في اسرائيل. فقد كتب صحافيان اسرائيليان بارزان هما "دان مرغليت" ورئيس تحرير صحيفة "معاريف" "أمنون دنكنر" مقالاً مهماً ذكرا فيه ان اسرائيل (حكومة ومسؤولين) تجاوزت جميع الحدود وأن الحياة هناك "تحولت الى مكب نفايات متراكمة نتنة الرائحة من الأكاذيب والتضليل والفساد والخوف...". ويعتبر الصحافي مرغليت من أشهر الصحافيين الاسرائيليين وهو الذي كان وراء استقالة رئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين من منصبه بعد أن كشف النقاب عن وجود حساب لزوجته في أحد البنوك الأميركية (مما يخالف القوانين الاسرائيلية) علماً بأنه لم يكن في الحساب إلا مبلغ (300) دولار. وفي حملة غير مسبوقة كشفت وسائل الاعلام الاسرائيلية مؤخراً عن الوجه الحقيقي للفساد المتفشي في اسرائيل. فقد جاء في تقرير رسمي أن الشرطة فتحت خلال العام 2004 أكثر من نصف مليون ملف جنائي (في بلد لا يزيد عدد سكانه عن خمسة ملايين) شملت أكثر من (150) ألف شخص. فشارون وأولاده يخضعون للتحقيق في خمس قضايا فساد ووزير الأمن الداخلي السابق (وزير دولة حالياً) متهم بالفساد، بالاضافة الى عدة وزراء ومسؤولين آخرين. ولم يقتصر الفساد في اسرائيل على الجانب المدني فقط، بل امتد الى الجيش وأجهزة الأمن حتى إن ضباطاً يرتشون لإعفاء جنود من الخدمة العسكرية عن طريق إصدار شهادات طبية مزورة، فالرشوة داخل الجيش تحمل أشكالاً عديدة... وكذلك ظاهرة مألوفة مثل سرقة جنود لأسلحة زملائهم ومن مستودعات الجيش وبيعها للفلسطينيين، الأمر الذي أدى الى أكثر من طلب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق في مظاهر الفساد في المؤسسات الرسمية والحكومية.
لهذا كله، استغلت المعارضة انشغال الحكومة والأحزاب المشاركة فيها واستطاعت تمرير مشروع قانون يقضي بتشكيل اللجنة البرلمانية لمحاربة الفساد كما قال عضو الكنيست "أريد الداد" من حزب الاتحاد القومي اليميني المتطرف وصاحب الاقتراح (والذي يعتبر من أشد معارضي شارون وخطة فك الارتباط). ويضيف الداد: "إن المقالات في صحيفة معاريف فتحت عيوننا على أشياء كثيرة كنا نجهلها ونرفض تصديق ما نراه وهي أن اسرائيل غارقة في مستنقع الفساد". كما هاجم "الداد" شارون هجوماً عنيفاً واصفاً إياه بأنه رئيس الحكومة "الأكثر فساداً في تاريخ اسرائيل". في أروقة الكنيست الاسرائيلي إقامة لجنة للتحقيق في الفساد المستشري في أروقة الحكم في اسرائيل، هذا على الرغم من معارضة حزب الليكود الحاكم واللجنة الادارية، أما القاضية المتقاعدة "دالية كوهين" فقد وصفت سبب تجذر الفساد في المؤسسات الرسمية في اسرائيل بقولها "إن الرابط بين المال والسلطة هي اللعنة التي تلاحق الدول والتي كانت سبباً في فناء دول كبيرة، والتاريخ مليء بمثل هذه الأمثلة، وفي اسرائيل في اللحظة التي تم الربط بين المال والسلطة والقوة عندها بدأ أساس الحياة العامة بالتزعزع".
هذا كله، غيض من فيض! ومن أراد الاستزادة فعليه مراجعة دراسة الكاتب الاسرائيلي موشيه نغبي بعنوان: "مثلنا مثل سادوم: في المنزلق من دولة قانون الى جمهورية موز"، ترجمة وإعداد مركز جنين للدراسات الاستراتيجية.