عندما تأسست جمعية المبادرة الاجتماعية النسائية في سوريا قبل ثلاث سنوات، كان من أهم أهدافها العمل على تغيير قوانين الأحوال الشخصية في سوريا، والذي يبدو مقارنة مع أقرانه في بعض الدول العربية في غاية التخلف، رغم المرجعية الإسلامية المتشابهة، ففي القانون المغربي والسوداني والليبي والجزائري على سبيل المثال، تمتد سن الحضانة بالنسبة للصبي إلى سن البلوغ "15" سنة والبنت حتى تتزوج، بينما في سوريا وبعد أن حاربت النساء، وبجهود جبارة حتى استطعن الحصول على قانون
رفع سن الحضانة الى "15" سنة للبنت "13" سنة للصبي، ورغم أن جمعية المبادرة قد جمعت "15" ألف توقيع بالتعاون مع المحامية حنان نجمة وتجمعات نسائية أخرى، وتقدمن بعريضة لمجلس الشعب يطالبن فيها بتغيير قانون الحضانة، إلا أن القرار الذي حاولن العمل عليه، جاء منقوصا، فقد رفع سن الحضانة أخيراً "أن يأتي متأخراً، خير من أن لا يأتي أبداً " إلا أن الشق الثاني من الطلب الذي تقدمن به، وهو تأمين سكن الحاضنة، لم يستطعن الحصول عليه، وهن ما زلن، بإرادة جبارة يتابعن العمل على نبش جمود وتعسف قانون الأحوال الشخصية، والأمثلة على مصادرة حرية المرأة في هذا القانون كثيرة، فرغم أن الدستور السوري: ينص في المادة (25) فقرة "3" على أن "المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق". وفي المادة (45) من فصل الحريات "تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة جميع القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع".
إلا أن العديد من القوانين، وكما جاء في التقرير الذي أعدته جمعية المبادرة جاء خلافاً لما أقره الدستور، وعلى العكس يبدو مخالفا لها، وهذا التمييز يبدو واضحا في "الطلاق التعسفي، تعدد الزوجات، التهاون في جرائم الشرف، شهادة المرأة، قانون الجنسية، قانون الحضانة، الوصاية، الارث....."
على سبيل المثال، انتقصت المادة "17" من مكانة المرأة عندما أعطت الزوج حق الزواج من أخريات دون علم الزوجة، كذلك المادتين "170، 172" انتقصتا من أهلية المرأة وحقها في الوصاية على أبنائها، بعد أن أعطت الأب ومن بعده ذكور العائلة، حق الولاية على أولاده، ولم يعط هذه الحق للأم، وبقي دورها محصوراً في الخدمة فقط، وفي المادة "12" من قانون الأحوال الشخصية، مقابل شهادة رجل، هناك شهادة امرأتين، وفي قانون جرائم الشرف، ما يزال القانون في سوريا، يقوم بتخفيف عقوبات جرائم الشرف، بشكل ملحوظ، تحت ستار حماية المجتمع، وفي الوقت نفسه يقوم هذا القانون من خلال المادة "548" بتشديد العقوبة على المرأة في جرائم الشرف، فالرجل يعتبر مدافعاً عن الشرف، إن قام بقتل زوجته مثلا في جرم الخيانة، ويخفف حكمه إلى بضعة سنوات، ولكنه وفي الحالة نفسها، وعندما تقوم المرأة بقتل زوجها، يحكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة، وهذا الكلام لا يأتي من فراغ، بل من حوادث حقيقة تحدث يوميا في مدن وقرى سوريا.
ويقوم قانون الأحوال الشخصية في سوريا المتوارث من أيام العثمانيين -إذ يبدو من العجب أننا ما نزال نقرأ حتى الآن مثلا: القرار الصادر عن محمد قدري باشا- والذي لم يتغير كثيراً إلا مؤخراً، وضمن هامش ضيق ومحدود "قانون الحضانة" بحرمان المرأة من حق منح جنسيتها لأطفالها وزوجها، وهو ما تقوم بمنحه دول أخرى "تونس" والأعجب أن قانون الشريعة الإسلامي الذي ما يزال قانون الأحوال الشخصية يعتمده كمرجع نهائي، لا يطبق في القضايا التي تنتصر للمرأة بعض الشيء. مثلا، بالنسبة لتعدد الزوجات فهناك آية قرآنية واضحة حول هذا الشأن "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" و "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" سورة النساء، هذا في الوقت الذي ما يزال تعدد الزوجات جارياً ومتزايداً، مع سوء الأحوال الاقتصادية الذي يدفع الكثير من الفتيات للاحتماء بمؤسسة الزواج هرباً من الفاقة والعوز، والأيام السوداء التي تنتظرهن في الشارع، وعن الطلاق التعسفي تقول الآية القرانية الكريمة "طلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" سورة البقرة، وفي سورة الأحزاب "وسرحوهن سراحاً جميلاً".
ولا أعرف إن كان الوقت مناسبا للتذكير، أن قضية فصل الدين عن الدولة، والعمل على انتهاج قوانين مدنية، تمس قوانين الأحوال الشخصية، هي من المسائل الأكثر ضرورة وإلحاحا لتطور مجتمعاتنا القائمة على تشريعات تنتمي لقرون مضت، وضرورة التطور والتغييرات تقتضي بإعادة النظر فيها، وتجربة تونس في هذا المجال تعد رائدة، ونتائجها الايجابية سارية المفعول في المجتمع التونسي، ولعل هذا الأمر حالياً، يبدو من أصعب الأمور التي نستطيع المطالبة بها، في ظل تنامي مد إسلامي أصولي مهيمن على كافة مجالات الواقع والمجتمع، ولكني وفقط للعلم، أذكر أن أحد أهم رواد النهضة العربية "عبد الرحمن الكواكبي" تحدث في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حول أهمية فصل الدين عن الدولة، وما تشكله هذه الحالة من نقلة نوعية للمجتمع العربي، وتطورها، ليس بالنسبة للمرأة فقط، ولكن للرجل، كان هذا قبل أكثر من مائة سنة، ويبدو الآن إعادة صياغة هذا الحديث أصعب بكثير مما كان عليه.
كل ذلك لا يلغي أن قانون الأحوال الشخصية في سوريا، هو قانون تعسفي ومُصادر بحق المواطن/نة في سوريا، وإعادة النظر فيه بشكل جذري وكامل، هي من الأمور الأكثر إلحاحاً وضرورة للبحث والتجديد