يصعب تفادي ملاحقة الحدث اللبناني السوري في قضية التحقيق، فالحدث تحوّل الى مسلسل كبير في الدراما العربية المستمرة, ورغم مرور أكثر من أشهر ستة على الحدث، فإن الأنظار العربية والدولية متجهة نحوه بصورة تؤكد لنا ان نتائج التحقيق ستحدث زلزالاً, فعمق الحقيقة قد يصدم الكثيرين واكتشاف من خطط ومن أمر بقتل الحريري فيه كشف للكثير, هكذا نجد في التحقيق محاكمة لحالة الوحدة السورية - اللبنانية التي نظر اليها الكثير من العرب على انها الوحدة بين قطرين عربيين يسعيان للتكامل, ففي ظل سلوكيات «الوحدة» التي تحولت لنمط من القضم والاخضاع في ظل غياب الديموقراطية نجد اغتيال جديد لفكرة «الوحدة العربية»، اضافة الى اغتيالات سابقة كما حصل في العلاقة «الكويتية - العراقية» (1990) «والسورية - المصري» (1961). وهذه هي نتائج الوحدة التي تتم بوسائل لا ديموقراطية وفوقية.
تحولت عملية اغتيال الحريري الى محاكمة للنظام اللبناني الأمني- السوري وايضاً النظام العربي اللا ديموقراطي ككل فلم تتعرض منطقتنا العربية أو أي من دولنا في السابق لتحقيق بهذه الدقة بهدف كشف العقلية التآمرية في العالم العربي, ان القوة والنفوذ خارج القانون والمؤسسات في ظل غطاء مزيف من الطرح «القومي والعربي والثوري والايديولوجي» يتحول لوسيلة من0 وسائل تصفية الآخرين معنوياً أو جسدياً, ان القوة في بلادنا, مازالت للمزاج الشخصي والفردية المسيطرة والفساد، عوضاً عن أن تكون للرأي العام وللاعلام وللحريات وللمناخ التنموي.
ان التعالي على القوانين وتهريب الأموال، ولوي الحقيقة، وكسر منابع الحرية في المجتمع وتفضيل أهل الطاعة على أهل الخبرة هو الطريق الاقصر لقتل الحوافز ولابراز فئات ضعيفة في مبادئها تتحكم بالأغلبية الطيبة في مجتمعنا.
ما وقع في اغتيال الحريري كان أحد أعلى مراحل الازمة في الحالة العربية العامة.
ان الاغتيال كان أساساً اغتيالاً للجرأة ولنبض التنمية وآفاق التغيير في المعادلة اللبنانية وبالتالي السورية والعربية, وباللغة نفسها، فإن إخفاء الحقيقة والاستمرار في مسلسل الاغتيال (جورج حاوي وسمير القصير وغيرهما) والتفجير بهدف إرهاب المجتمع كان استمراراً للتوجه الإرهابي ذاته، ان العالم العربي الذي يبحث عن التغيير والتجديد لن ينجح اذا استمر الرعب من الأمنيين والاستخباراتيين والعسكريين وفرق الموت, في هذا كله تتجلى قيمة التحقيق الدولي وقيمة الحقيقة التي بدأت تبرز على سطح الحدث.