ما زال الشرق الأوسط يمر بحالة استقطاب وتوتر كبيرين, ففي العراق حرب مفتوحة بشأن مستقبل العراق وهويته ومضمونه, ففي الأمس أقر الدستور العراقي وقريبا ستقع الانتخابات لمجلس تشريعي عراقي, الحرب تستمر في العراق ولكن العراق بشكله الجديد هو الآخر بدأ يكتشف طريقه، رغم عمق التناقضات والصعوبات, اما سورية فتشهد تغييرا كبيرا سيغير وجوها كثيرة تورطت بطريقة أو بأخرى في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري, فالاغتيال تحول لتلك الرافعة التي حررت لبنان من قبضة المخابرات الأمنية السورية اللبنانية, بل تحول الاغتيال الى باب للاصلاح في سورية, ويبدو ان الرئيس السوري الأسد يسعى للامساك بخيوط الوضع بصفته فرصة تاريخية لسورية للتغيير وذلك قبل ان تمسك بزمام التغيير جهات أخرى محلية ودولية, وينعكس ذلك كله في بيروت، إذ تتزايد الأصوات المنادية باستقالة رئيس الجمهورية وذلك بعد صدور التقرير الدولي, كما ان افاق اتهام المزيد من الشخصيات المرتبطة بالقصر ستعجل بطرح الاستقالة, وفي مصر تغييرات مهمة منذ اعادة انتخاب الرئيس مبارك ادت لفتح المساحة العامة أمام النقد والمنافسة وآفاق التغيير, هكذا بدأ المناخ العربي يتغير وهو مازال يتغير في ظل الكثير من القلق والفوضى.
التغيير هو صفة المرحلة في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي مصر, في الوقت نفسه، تبدو دول كالسعودية والمغرب وتونس وكأنها خارج هذا الاطار، ومع ذلك من الصعب ألا تقع المفاجآت, فقد تقع تحولات مفاجئة تركز على الاصلاح والاعتدال والانفتاح في كل من هذه البلدان, كما ان البحث عن الانفتاح السياسي والاقتصادي هو الآخر يفرض نفسه, وفوق هذا كله، فإن الأيديولوجية الدينية والمتعصبة هي الأخرى تواجه نقدا من الدول ومن المجتمعات العربية، اضافة الى الحصار الذي تواجهه دوليا ويمكن القول ان هذه المعركة تزداد قوة وشراسة في المملكة العربية السعودية وذلك في ظل مواجهة ارهاب القاعدة وتحركاتها وتأثيراتها في المملكة.
وفي فلسطين تستمر المواجهة هي الأخرى مؤدية لمزيد من الاستنزاف بين السلطة من جهة وحماس من جهة أخرى وبين الفلسطينيين واسرائىل, فهذا المثلث الصعب: اسرائىل، السلطة، حماس والجهاد يفرض وضعا شديد الوعورة, فإن قامت السلطة بتصفية حماس والجهاد، بينما تستمر اسرائىل في الاستيطان والاحتلال تكون السلطة في هذا قد سقطت الى الأبد, ولو قامت السلطة بالسماح لحماس والجهاد بالقيام بالعمليات من دون حدود وسقف لتكون ردود الفعل الاسرائىلية مقدمة لتدمير السلطة الفلسطينية، كما حصل في زمن الرئيس عرفات، لهذا فالخيارات الفلسطينية شديدة الصعوبة وتتطلب الكثير من الحنكة في ادارة التوازن بين مواجهة الاحتلال ومواجهة حماس وبين آفاق السلام وآفاق الحرب.
الشرق يتغير مع كل رصاصة ومع كل استقالة وانتخاب, وهو يعيش حربا كبرى بأوجه وأصوات مختلفة, هذه المرحلة ستكون طويلة تستمر معنا لسنوات طوال وهي لن تنتهي بانتهاء عهد بوش, ان طريق الاصلاح ومواجهة التطرف هي مهمة عقد كامل, فالصراع على الشرق الأوسط قد بدأ كما ان الصراع من أجل وضع عربي جديد هو الآخر بدأ لكن الأسئلة ستزداد، كما ان حدة المواجهة سوف ترتفع.