الخلافات بل العداء بين الولايات المتحدة و"حزب الله" اللبناني الهوية والاقليمي الرعاية (سوريا – ايران) لا تحتاج الى دليل. كما لا يسعى اي منهما الى انكارها. وعلى العكس من ذلك فان الجهر به صار نوعاً من التفاخر عند الاثنين. اذ يعتبر الاميركيون موقفهم السلبي منه ناجم عن رفضهم الارهاب الذي مارسه في الماضي معهم (خطف رعايا اميركيين واجانب وتفجير مراكز ديبلوماسية وعسكرية اميركية في لبنان) ومع حليفهم الاستراتيجي الأول في المنطقة اسرائيل. ويعتبر الحزب ان نضاله ضد الاميركيين انما هو جهاد ضد الاستكبار العالمي وضد الحامي الدولي لاسرائيل التي احتلت اراض لبنانية قرابة 22 سنة واخرى عربية والتي اغتصبت بلداً عربياً هو فلسطين وشردت شعبه في كل اصقاع الارض. الا ان هذه الخلافات لا تمنع الاميركيين من التعاطي مع موضوع "حزب الله" وسلاحه ودوره اللبناني بواقعية نظراً على حرصها على ايصال لبنان الذي وضعته تحت رعايتها ورعاية المجتمع الدولي الى شاطئ الأمان والى رغبتها في توفير كل الوسائل المؤدية الى ذلك. ولذلك فانهم يتعاطون أو بالأحرى يتحدثون عن هذا "الحزب" الراديكالي المقاوم بطريقتين. ترمي الاولى الى اقناعه بأنه غير مستهدف في وطنه ودوره ودور من يمثل. وترمي الثانية في حال فشل الاقناع الى ممارسة ضغوط عليه للتجاوب مع المساعي الرامية الى تنفيذ القرار 1559 وتحديداً ما يتعلق به منها وابرزه نزع سلاحه او بالأحرى تخليه عنه.
عناصر الطريقة الاولى (الاقناع) يلخصها متعاطو الشأن العام في العاصمة الاميركية بالآتي:
- عدم اثارة الولايات المتحدة التاريخ "العدائي" القديم او السابق بينها وبين "حزب الله" على الأقل في المرحلة الراهنة وتالياً عدم دعوتها الى التخلص منه او الغائه او تقليص دوره. واعترافها بأنه حزب لبناني يمثل قوة داخلية مهمة وترحيبها بتحوله حزباً سياسياً لبنانياً اي من دون ذراع عسكرية او ميليشياوية او مقاومة وقيامه بدور داخلي مهم سياسياً واجتماعياً.
- ادراك الولايات المتحدة تعقيدات التركيبة اللبنانية الشعبية والسياسية والنظامية (من نظام) وامتناعها بسبب ذلك عن ممارسة ضغوط على لبنان ما بعد الانسحاب السوري للمبادرة وعلى نحو فوري لتطبيق الشق المتعلق بـ"حزب الله" من القرار الدولي 1559، بل وقبولها للسبب نفسه اعطاء اللبنانيين الوقت الكافي للتحاور في ما بينهم حول هذا الموضوع وللتفاهم على صيغة له تحمي المكاسب التي حققها لبنان سواء منذ انهاء الحروب فيه عام 1990 او منذ انسحاب سوريا من اراضيه في 26 نيسان الماضي وابرزها وحدته ووقف الحرب فيه واستعادته سيادته واستقلاله.
- ادراك الولايات المتحدة ان التطورات الهائلة التي حصلت في لبنان في الاشهر الماضية جعلت اللبنانيين اي الطوائف والمذاهب اللبنانية التي يمثل انتماؤهم اليها المرتبة الاولى من انتماءاتهم الاخرى يعتقدون ان بلادهم قد تكون على عتبة ارساء توازن داخلي جديد لا يناقض اتفاق الطائف لكنه ينطلق منه لتصحيح الثغر سواء في نصوصه او في تنفيذها الذي كان لمصلحة افرقاء على حساب مصلحة أفرقاء آخرين. وتصميمها تبعاً لذلك على ألا يكون للوضع الجديد سواء تم التوصل الى التوازن الجديد المشار اليه أولاً على حساب الطائفة الشيعية التي يمثلها وبقوة "حزب الله" ومعه حركة "امل". وهذا يعني اصرار الولايات المتحدة على وجوب ممارسة الشيعة اللبنانيين دورهم المتناسب مع حجمهم في البلاد، علماً ان شعبها مكون من مجموعة أقليات متفاوتة في العدد.
- تفهم الولايات المتحدة رفض اللبنانيين مجتمعين ومنهم الشيعة توطين الفلسطينيين في لبنان البعض لاسباب قومية واخرى اسلامية والبعض الآخر لاسباب تتعلق بالتركيبة اللبنانية السهل افقادها توازنها الهش. علماً ان الاسباب القومية والاسلامية قد تكون احياناً كثيرة غطاء للاسباب الاخرى. واقناعها تبعاً لذلك بضرورة تجنيب لبنان كأس التوطين وجهرها بذلك أمام اللبنانيين وغيرهم.
- اعطاء الشعب اللبناني بكل طوائفه ومذاهبه الحجج والمبررات التي تمكنه من اقناع "حزب الله" واستطراداً الطائفة الشيعية بمجملها بالتخلي عن سلاحه لدولة لبنان وبتصوير هذا الأمر تقوية للدولة في الداخل وفي وجه اسرائيل، وليس اضعافاً لها. وأبرز الحجج والمبررات وضع مشكلة احتلال مزارع شبعا واحتجاز اسرى لبنانيين و"الاعتداءات" الاسرائيلية الجوية اليومية على لبنان على طريق الحل الجدي والنهائي من دون ان يؤدي ذلك كما يتخوّف البعض الى سلام منفرد مع اسرائيل. بل الى وضع مطالب لبنان دائماً بالعودة اليه وهو اتفاق الهدنة الموقع عام 1949.
اما عناصر الطريقة الثانية (الضغط) التي تمارس في حال فشلت الطريقة الاولى في تحقيق الهدف المطلوب منها او ربما بالتزامن معها فيلخصها متابعو الشأن العام الاميركيون انفسهم بالآتي:
-الدفع في ارسال الجيش الى الجنوب وتحديداً الى الخط الازرق على الحدود مع اسرائيل قبل بت موضوع سلاح "حزب الله" او ايجاد حل له.
-العمل على استعادة التعددية السياسية داخل الطائفة الشيعية الأمر الذي يكسر الى حد ما توحدها حول "حزب الله". طبعاً يعرف الاميركيون ان الشيعة كلهم في موقع واحد في ما يتعلق باسرائيل والمزارع التي تحتل والمحافظة على الحزب المقاوم. لكنهم يعرفون ايضاً ان التعاطف لم يكن وحده الاسلوب الذي وحّد هذه الطائفة حول الحزب ولاحقاً حول "الحركة" معه. اذ استعملت اساليب عدة لذلك عطلت وعلى مدى اعوام التعبير الديموقراطي عن الارادات داخل الطائفة.
-العمل لاعادة تماسك المعارضة اللبنانية التي تجلت في 14 آذار الماضي والذي كان عمادها وان على نحو تبسيطي السنة والدروز والمسيحيون. وليس الهدف من ذلك التحريض على الاقتتال الداخلي او محاولة الغاء دور الشيعة المهم والكبير في لبنان، علماً ان ذلك مستحيل، بل هو دفع "حزب الله" ومعه "حركة امل" الى الادراك ان طائفتهما قد تكون لها ارجحية عددية على طوائف اخرى في لبنان. لكن تعاون الطوائف الاخرى يفقدها ذلك. ومن شأن ذلك دفعها الى العمل مع الآخرين للبحث عن حل يحمي لبنان. وحل كهذا هو الذي يوفر توازناً فعلياً لكل مكونات الشعب اللبناني أو الشعوب اللبنانية.
-العمل لاقناع "حزب الله" ومن يمثل ان الحليف الاقليمي السوري الذي ساعده اثناء وجوده في لبنان ورعاه وحماه من جهات داخلية واخرى خارجية والذي مكنه من تحرير الاجزاء المحتلة من الجنوب وتالياً من ممارسة دور مستقل عن سائر اللبنانيين بل حتى عن دولة لبنان ان هذا الحليف لن يعود الى وضعه السابق في لبنان الأمر الذي يفرض عليه البحث عن حماية لنفسه في لبنان دولة وشعباً.
-العمل لاقناع الجمهورية الاسلامية الايرانية الحليف الاقليمي الآخر لـ"حزب الله" الذي رعى نشأته ومده بكل اسباب القوة والاستمرار بأن مصلحة هذا الحزب ومن يمثل تقتضي التفاهم مع اللبنانيين الآخرين، وهذا أمر لا تستطيع الولايات المتحدة ان تقوم به بسبب علاقة العداء او الاحرى اللاعلاقة بينها وبين ايران. وحدها اوروبا تستطيع ذلك كونها تتفاوض مع ايران حول موضوع أكثر أهمية هو القدرة النووية للأخيرة. واوروبا هذه وتحديداً فرنسا كانت بدأت حواراً مع ايران حول هذا الأمر، ويرجح ان تتابعه الا اذا حاول الايرانيون استعمال "حزب الله" وسلاحه ورقة في المفاوضات حول القدرة النووية لبلادهم.
في أي حال لا يمكن معرفة اذا كانت الطريقتان المفصلتان قد بدأ سلوكهما ام لا او اذا كانا حققا تقدماً أم لا، لكن الاشهر المقبلة بالتطورات المهمة جداً التي تشهدها قد تعطي مؤشرات ملموسة لكل ذلك. الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا، وهو مطروح في واشنطن كما في عواصم اوروبية وشرق أوسطية عدة هو: ماذا عن السلاح الفلسطيني في لبنان؟ واستطراداً: هل يستحسن ان تكون الافضلية لسحب او نزع السلاح اللبناني (حزب الله) ام السلاح الفلسطيني؟