بات واضحاً للمؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع ان القيادة العليا في الجمهورية الاسلامية الايرانية قررت التصعيد ضد القوات العسكرية الاميركية الموجودة في العراق رغم الاجتماعين اللذين عقدا في الشهرين الماضيين بين سفيري هاتين الدولتين في بغداد واللذين كان هدفهما الاساسي البحث في وسائل لاشاعة الامن والاستقرار في هذا البلد، وكذلك رغم الاجتماع التنفيذي اذا جاز وصفه على هذا النحو والذي ضم موظفين ومستشارين كانت مهمتهم وضع آلية محددة يمكن باعتمادها تحقيق الاهداف الامنية المطلوبة. ذلك ان المعلومات التي توافرت لديها تشير الى ان طهران لن توقف تدفق الاسلحة الى المتعاملين معها من العراقيين على تنوع انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والاثنية وخصوصا التي اثبتت في الاشهر الاخيرة ان اذاها للعسكر الاميركيين كبير جداً وكذلك ضررها لآلياتهم. وتشير ايضا الى ان لديها هدفين محددين لذلك اولهما زيادة عدد القتلى والجرحى في صفوف القوات الاميركية العاملة في العراق. وثانيهما احباط الخطة التي وضعها الرئيس جورج بوش لتهدئة الوضع العراقي عبر زيادة عدد قواته في العراق وتالياً افقاده اي صدقية ورصيد شعبي وكذلك في الكونغرس بمجلسيه الامر الذي لا بد ان يربك سفيره في العراق ريان كروكر وقائد قواته فيه ديفيد بترايوس وخصوصاً عندما يقدمان الى الكونغرس تقريرهما عن العراق في ضوء زيادة القوات العسكرية فيه في شهر ايلول المقبل.
وبات واضحاً للمؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة واستنادا الى المصادر نفسها ان هناك تعاوناً وتنسيقاً تامين بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد في كل ما يتعلق بالعراق انطلاقاً من تحالفهما الاستراتيجي ومن وحدة اهدافهما التي تشكل هزيمة اميركا في العراق ابرزها بل اولها. ويتجلى ذلك في استمرار تدفق "المتطوعين" المجاهدين او "الارهابيين" على العراق عبر الحدود السورية وفي الضعف المقصود من الحكومة السورية في ضبط هذه الحدود وكذلك في ضبط حركة "الارهابيين" سواء داخل الاراضي السورية او دخولها او مغادرتها الى مركز الجهاد العربي الاسلامي الاول في هذه المرحلة الذي هو العراق. طبعا للموقف السوري المفصل هذا دوافع عدة اضافة الى الوفاء بموجبات التحالف مع ايران والى محاولة اضعاف اميركا كي تقبل اعادة تعيين دمشق وصياً على لبنان او وليّاً مكلفاً ادارة شؤونه. ابرز هذه الدوافع هو خوف النظام في سوريا من تداعيات ما تقوم به اميركا اليوم في العراق وان ادى في النهاية الى فشلها في فرض الاستقرار السياسي والامني داخله. فالفشل لا بد ان يعني في ظل التحالفات التي بدأت نسجها بتشجيع من دول عربية خليجية مهمة مع سنة العراق في مثلثهم الشهير بل مع عشائرهم بقصد حماية دورهم من تطرف الغالبية الشيعية فيه بل حمايتهم وجودا كذلك، لا بد ان يعني ان القوات الاميركية ستتمركز في المناطق السنية والكردية العراقية بعد انسحابها من الجنوب كما ستتمركز في الكويت ودول خليجية عدة، ويشكل ذلك خطراً مباشراً على سوريا الاسد لان اميركا ستكون على حدودها وفي منطقة تعج بغلاة المتطرفين مذهبياً. الى ذلك تعرف سوريا استنادا دائما الى المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها ان تحالفها المترجم تعاوناً وتنسيقاً مع ايران الاسلامية ضد اميركا وحلفائها في المنطقة سيكلفها وخصوصاً على الصعيد الاقليمي اي سيقلص دورها ونفوذها وقد يزيد عزلتها العربية وخصوصاً بعدما اختارت قيادتها السياسية العليا مواصلة الهجوم المباشر على غالبية الدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية.
اما مصر فان الهجوم غير المباشر هو من نصيبها لان تركيبة الحكم فيها وطبيعة قيادتها السياسية تجعله يبقي "شعرة معاوية" حتى مع اكثر الدول عداء لها في نظرها ولكن من دون ان يمنعها ذلك من اعلان مواقفها الفعلية او الاقرب الى الفعلية من سوريا عندما تستوجب الظروف والتطورات ذلك. وتعرف سوريا ايضا ان ايران الاسلامية يمكن ان تسمح لنفسها بـ"اللعب" مع اميركا ومع المجتمع الدولي اي بالمواجهة والحرتقة وما الى ذلك اذا جاز التعبير. ذلك انها دولة اقليمية كبرى تسعى الى ان تكون الاكبر او الاعظم طبعا باستثناء تركيا واسرائيل وتملك قدرات عسكرية كبيرة ومتطورة رغم الحصار المفروض عليها من زمان. والاهم من ذلك ان لديها شعباً لا يربطه بشعوب المنطقة العربية الا الاسلام. وفي ما عدا ذلك فانه متفوق عليها كلها في نواح كثيرة. ويعبر الايرانيون عن ذلك بالقول ان العرب يلعبون الطاولة في حين انهم هم يلعبون الشطرنج الذي يلزمه "حك عقل" كما يقال. اما هي (اي سوريا) ورغم كل خطابها ومواقفها السياسية "القومية" الاسلامية الحديثة فانها تعرف في قرارة نفسها ان "عطبها" ليس مستحيلاً بل ليس صعباً فهي الحلقة الضعيفة في المحور السوري – الايراني – الفلسطيني ("حماس") – اللبناني ("حزب الله") واعطابها سهل جداً ولكن عندما تتوافر الارادات في اميركا وفي العالم العربي وحتى عند الدول العربية التي تعاني "ظلم" سوريا كالسعودية وفي اسرائيل. وهذه الارادات لا تزال غائبة لاسباب معروفة ابرزها غياب البديل السلمي لمصلحة بديل اصولي يمكن ان يتحول ارهاباً في رأي اصحابها. لكن المبالغة في الحظ اي المبالغة في الاعتماد على هذا الغياب للاستمرار في سياسة غير حكيمة على الاقل بالمستوى الذي كانت عليه سياسة الرئيس الراحل حافظ الاسد لن تورث سوريا ونظامها الا الخراب والتهلكة.