"ان تأجيل انتخاب الرئيس اللبناني ليس نهاية العالم، وامل ان يحل اللبنانيون قضيتهم بانفسهم وهي وان لم تحل هذا الاسبوع فقد تحل المرة المقبلة. ميشال سليمان المقترح كرئيس توافقي رجل جيد وتؤيده سوريا. ان طرحه من جماعة 14 شباط مرشحاً للرئاسة قد يكون نوعاً من المناورة، فهم ليسوا على استعداد للبحث في الكثير من الامور ومنها الحركة التوافقية والثلث الضامن. تحملت سوريا ما لا يتحمله ايوب خلال السنوات الثلاث الماضية حين كانت تتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد. والآن يطالبنا الجميع بالتدخل والضغط على عون و"حزب الله" وبري ووئام وهاب واسامة سعد وكرامي وفرنجيه لانهم كلهم اصدقاء سوريا. انهم اصدقاء سوريا ولديهم وجهة نظر بينما نحن حددنا من التدخلات الخارجية في لبنان ليحل مشكلاته بنفسه. في مصلحة لبنان ان يكون الحل لبنانياً لا سورياً ولا فرنسياً ولا أميركياً ولا ايرانياً. لا عودة ابداً لسوريا الى لبنان عسكرياً وامنياً علما ان وضعنا اليوم بعد الخروج من لبنان افضل. لا علاقة شبيهة بالعلاقة بين سوريا ولبنان اقتصادياً وثقافياً وامنياً وان لدى سوريا اليوم قوة حقيقية على الارض في لبنان وهذا انجاز كبير لا نريد ان نفاخر به".
"على الاطراف اللبنانيين مضاعفة الجهود للتوصل الى حل توافقي لانتخاب رئيس للجمهورية وتغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات الاخرى بغية المحافظة على امن لبنان واستقراره ووحدته. السعودية تتابع باهتمام بالغ المشاورات القائمة لحل ازمة الرئاسة في لبنان. ولا خيار امام اللبنانيين الا الاتفاق على موضوع انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق لان الخيار الثاني هو ان يبقى لبنان من دون رئيس ويبقى الفراغ الدستوري. لا ارى أن اختيار رئيس للجمهورية او عدم اختياره فيه مصلحة لطرف على حساب الطرف الآخر وايا تكن المشكلات بين الحكومة والمعارضة وفي اي ظرف لا يمكن ان تكون هذه المسألة مشكلة بينهم لان في مصلحة الجميع ان تكون العملية الدستورية سارية المفعول".
الكلام الوارد في الفقرة الاولى هو لنائب رئيس الجمهورية العربية السورية فاروق الشرع وقد قاله قبل يومين في دمشق في الاجتماع الدوري السابع لقيادات فروع "الجبهة الوطنية التقدمية" في المحافظات. كما قال كلاماً غيره يتعلق بقضايا اقليمية ودولية اخرى تهم بلاده والمنطقة والعرب عموماً. والكلام الوارد في الفقرة الثانية هو لوزير خارجية المملكة العربية السعودية الامير سعود الفيصل قبل يومين ايضاً في مؤتمر صحافي عقده في الرياض.
لماذا ايراد ما قاله المسؤولان الرفيعان السوري والسعودي عن لبنان؟
السبب بسيط هو اعطاء القارئ اللبناني الفرصة اولا للتدقيق في كلام كل منهما. وثانياً، لمعرفة الطريقة التي تتصرف بها دولتاهما حيال لبنان واهمية المصالح والوشائج التي تحدد مواقفهما من مشكلات لبنان وسياساتهما حياله. وثالثاً، لاستنتاج الاسباب الفعلية التي جعلت سوريا تنتصر في لبنان بين عامي 1975 و2005 والسعودية تخسر في لبنان خلال الفترة نفسها. ورابعاً، للبحث في مصير استقلال لبنان الثاني وعن سوريا تحديداً بعد نحو سنتين ونصف سنة من خروج القوات العسكرية السورية منه وتالياً لمعرفة اذا كان هذا الاستقلال الثاني سيترسخ او اذا كانت الرياح السورية ستبدده بمساعدة قسم لا بأس به من ابنائه وباحجام اشقاء لبنان الآخرين واصدقائه الدوليين عن التضحية من اجله او على الاقل عن حرق الاصابع.
انطلاقاً من ذلك نقول ان اللبنانيين كلهم يعرفون ومعهم قادة العالم العربي والعالم الاوسع فضلاً عن المجتمع الدولي ان في لبنان فريقين محليين متصارعين احدهما تدعمه سوريا واستطراداً ايران والاخر تدعمه السعودية في الدرجة الاولى مع دول عربية اخرى مثل مصر والاردن. الفريق الاول بدأ يتقدم بعد تراجع كبير. وما كان ذلك ليتم لولا دعم سوريا له في كل المجالات وعلى كل المستويات ولولا استشراسها في الدفاع عنه لان في ذلك دفاعاً عن نفسها واستعدادها للذهاب الى الاخر على هذا الصعيد وان ادى الى تعقيد الوضع الاقليمي ودفعه الى حافة الحرب ومعه الوضع اللبناني والى صدام مع العالم الاميركي العاجز عن التصدي لها عسكرياً مباشرة او بالواسطة او غير الراغب في ذلك لاسباب معروفة ومع العالم الاوروبي الجاهل المنطقة رغم افتراض انه اكثر معرفة بها من الاميركيين واللاهث وراء الفتات من المصالح الذي يتركه له هؤلاء. اما الفريق الاخر والذي تعارضه بل تعاديه سوريا وتحاربه بالواسطة ومباشرة احياناً فإنه بعد عجزه عن تكريس الاستقلال الثاني وترسيخه تراه اليوم في موقع الدفاع.
طبعاً اسباب ذلك كثيرة ولن ندخل فيها في هذه العجالة، لكن ابرزها عدم استعداد حلفائه الاقليميين من عرب اشقاء وغير عرب وحلفائه الدوليين للذهاب معه الى الآخر في الحرب التي يخوض "مع شقيقه" الفريق اللبناني الآخر بالنيابة عن اطراف الحرب الفعلية في المنطقة وهم سوريا وايران من جهة وعرب الاعتدال او عرب اميركا من جهة اخرى وهم ايضاً سوريا وايران وروسيا وربما بعض اوروبا من جهة واميركا والمجتمع الدولي وان مشرذما من جهة
اخرى.
طبعا ليس الهدف من هذه المقارنة التي قد تكون "مبسطة" في نظر الكثيرين إيقاع من تحاربهم سوريا في لبنان مباشرة وعبر حلفائها اللبنانيين في الاحباط واليأس. وليس الهدف ايضاً نفخ الحماسة في معسكر هؤلاء الحلفاء وتشجيعهم والترويج لانتصار مقبل لهم. فهم لن ينتصروا، واخصامهم لن ينكسروا، ولبنان لن ينتصر ايضا، لكنه سينكسر او قد ينكسر. لكن الهدف منه هو لفت اللبنانيين الى ان دعم الخارج ايا يكن لن يحل مشكلاتهم لانه يسارع الى الابتعاد عن النار اذا كان يشعر انها ستحرق مصالحه او تهدد انظمته وقد حصل ذلك في لبنان اكثر من مرة، وهذه حال السعودية. وحده الخارج المهدد فعلا او صاحب الطموحات الكبيرة او ربما الأوهام أو الأحلام والاهتمام الاكبر بجيرانه واشقائه هو الذي ينخرط اكثر في المواجهة عبر حلفائه كلما اشتد سعيرها، وهذه حال سوريا ومعها
ايران.
وفي ظل هذه المعادلة نقول الله يستر لبنان من اعدائه ومن اصدقائه والاشقاء وخصوصا في الاشهر القليلة المقبلة.