لا شك في ان الرئيس السابق للحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو اصيب بصدمة قوية قبل يومين عندما ناصر 51 في المئة من اعضاء اللجنة المركزية لتكتل "ليكود" الرئيس الحالي للحكومة ارييل شارون طاوين بذلك على الاقل مرحليا صفحة الطموحات الانتخابية والاسترآسية المبكرة للأول. فهو كان يظن بل كان واثقا من ان الغالبية وان طفيفة داخل اللجنة المذكورة تؤيده اي تؤيد عودته زعيماً للتكتل ومرشحه لرئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة وتاليا سعيه الى تقديم موعد هذه الانتخابات التي يفترض ان تجرى قانونا خريف السنة المقبلة. ولم ينطلق اعتقاده هذا من فراغ بل من "وقائع" او حقائق اذا جاز التعبير ابرزها اثنتان. الاولى استطلاعات الرأي التي اجرتها مؤسسات في اوساط "ليكود" وتحديدا في اوساط لجنته المركزية التي ينيط بها قانون التكتل اختيار زعيم الحزب المرشح لرئاسة الحكومة. وقد اظهرت نتائج اولى هذه الاستطلاعات تقدما مهما لنتنياهو على شارون. وبقي هذا التقدم ظاهرا في وضوح رغم انخفاض نسبته في الاستطلاعات الاخيرة. اما الواقعة او الحقيقة الثانية فهي يمينية تكتل "ليكود" وتشدده القومي ووقوفه تقليديا وراء حركة الاستيطان في الضفة الغربية وغزة والتي عبر عنها قسم كبير من جمهوره برفضه الانسحاب احاديا من غزة وتحديدا برفضه ازالة المستوطنات الـ21 التي كانت قائمة فيها وبترجمة هذا الرفض مشاركة شعبية في التظاهرات التي حاول منظموها بواسطتها وقف الانسحاب. وهي ايضا اتهام قسم كبير من القاعدة اليمينية لـ"ليكود" شارون بالتخلي عن مبادىء الحزب وشعاراته وباقترابه من سياسة "الوسط" واحزابه وايضا من اليسار. وثالثاً، نجاح اخصام شارون اثناء اجتماع اللجنة المركزية لحزبه في منعه من القاء خطابه وتاليا من شرح موقفه "للناخبين" الكبار فيها.
ما هي اسباب "التحول" الطفيف لكن الكافي في شعبية ارييل شارون داخل اللجنة المركزية لتكتل "ليكود" والذي مكنه من الانتصار على غريمه نتنياهو "بالنقاط".
الاسباب كثيرة يلخصها متابعو الاوضاع في اسرائيل باربعة. اولها، ادراك البعض من اعضاء اللجنة المركزية لــ"ليكود" وان في آخر لحظة ان الرأي العام الاسرائيلي ليس بغالبيته معهم او مع نتنياهو. فهو أظهر في استطلاعات عدة تأييده خطة شارون الانسحاب من غزة وبقي على هذا التأييد رغم كل الضغوط التي مارسها مناهضوه اثناء تنفيذ الانسحاب سياسية كانت او شعبية. وادراكه تاليا ان النجاح في اسقاط شارون لن يضمن على الاطلاق فوز "ليكود" بزعامة نتنياهو او بزعامة غيره في اي انتخابات مقبلة. هذان الامران دفعا البعض المذكور الى الانحياز الى شارون فكان فوزه "الضيق" لكن الحاسم والكبير. وثانيهما ادراك البعض من اعضاء اللجنة المركزية لـ"ليكود" وان في اخر لحظة ان سقوط شارون سيؤدي الى فوز نتنياهو لكنه في الوقت نفسه قد يؤدي الى ضرب الحزب اي تقسيمه وربما لاحقا انتهائه. فالمعلومات عن اعتزام رئيس الوزارة عدم الاستسلام للهزيمة او الخسارة في حزبه ومتابعة حياته السياسية عبر تأسيس حزب جديد يضم مؤيديه داخل "ليكود" مع حركات وشخصيات سياسية كثيرة مؤمنة بـ"الوسط" خطا سياسيا او "بالوسط – اليسار" وخوض انتخابات رجحت الاستطلاعات حصوله وحزبه الجديد فيها على 36 مقعدا، هذه المعلومات جعلت البعض نفسه وانطلاقا من حرص على حزبه يعض على الجرح ويعود الى تأييد شارون. وثالثها ادراك البعض من اعضاء اللجنة المركزية لـ"ليكود" ان شارون لن يقدم بعد انسحابه من غزة على اي خطوة اخرى في ما يتعلق بالضفة الغربية وخصوصا المستوطنات اليهودية المهمة فيها. ومعرفته ان قسما كبيرا من التحركات الليكودية وغير الليكودية ضد خطوة غزة وخصوصا تفكيك مستوطناتها والمستوطنات الصغيرة الاربع في شمال الضفة الغربية كان يرمي فعلا الى جعل الامر صعباً على شارون وجعله يقتنع بما هو مقتنع به اصلا وهو الاحتفاظ بالمستوطنات المتبقية ايا يكن الثمن. ودفع ذلك البعض اياه من اللجنة المركزية الى تأييد شارون. اما رابع الاسباب واخرها فهو ادراك البعض من اعضاء اللجنة المركزية لـ"ليكود" ان اسقاط شارون وللاسباب التي يعلنها نتنياهو وسائر اليمين المتشدد على تنوعه لا بد ان يزعج الولايات المتحدة بل لا بد ان يثير استياء رئيسها جورج بوش هو الذي يحتاج في الحرب التي يخوض ضد الارهاب "الاسلامي" في العراق وافغانستان والمنطقة بل العالم الى تفهم له في العالم العربي والاسلامي. وهذا التفهم لا يزال غير متوافر بسبب امور عدة اهمها اسرائيل. كما ان توافره سيصبح اكثر صعوبة في حال اسقاط صاحب خطة غزة التي ايدتها اميركا. ذلك انه سيقطع الطريق نهائيا على متابعة "العملية السلمية" بين اسرائيل والفلسطينيين علما ان نتنياهو الذي استفاد اميركيا يوم تولى للمرة الاولى رئاسة حكومة بلاده ربما بسبب طلاقة لغته الاميركية سقط داخل اميركا وعند حزبيها الديموقراطي والجمهوري من زمان رغم اشتهاره "بالواقعية" او "البراغماتية". ومن ابرز اسباب سقوطه انتهازيته ووصوليته وعدم التزامه تعهداته وحصره اهتمامه بمصالحه السياسية وحدها.
هل يعني ذلك ان احتفاظ شارون بزعامة "ليكود" وتاليا برئاسة الحكومة في انتخابات الخريف المقبل وربما بعدها في حال فوزه فيها سيؤدي الى معاودة مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وتاليا الى تعبيد الطريق امام "خريطة الطريق" التي وضعتها "الرباعية الدولية" والتي لا تزال تدعمها وتدعو الى توفير ظروف تنفيذها؟ هذا الامر ليس اكيدا ولا ثابتا. فكل المعلومات الواردة من واشنطن وغيرها من العواصم المعنية في العالم فضلا عن اسرائيل تشير الى ان شارون سيكتفي "بانجاز" غزة على الاقل حتى الانتخابات العامة المقبلة في بلاده استنادا الى بعضها. ولا يعني ذلك انه لن يتجاوب شكليا مع مساعي المجتمع الدولي. فهو قد يقبل ذلك لكنه سيستمر في انتهاج سياسة القمع والرد على الفلسطينيين وعلى نحو اشد من السابق وسيستمر في مطالبة السلطة الوطنية الفلسطينية بتنفيذ شروط تعجيزية وسيستمر في العمل لتعزيز التوتر بين الفلسطينيين ولدفعه تدريجا نحو الفتنة وما هو اكثر منها.