تعيش سورية اصعب مرحلة في تاريخها الحديث حتى ليمكن القول انها اصعب من فترة حصار الثمانينات حيث كان المعسكر الاشتراكي مايزال مستعدا للوقوف الى جانب السوريين حتى في اكثر مواقفهم راديكالية ، فقد وجد النظام في سورية نفسه بلحظة واحدة امام امتحان البقاء بعد ان كان منذ اشهر قليلة فقط يحمل كلمة مسموعة في الملفات الاقليمية ، ولم يكن ليحدث شيء في لبنان او في الملف الفلسطيني دون ان يحسب حسابه واحيانا اذنه .
ولعل وضع سورية في مواجهة مجلس الامن يعتبر انتصارا للسياسة الاميركية التي وجدت انها غير محتاجة لقوتها العسكرية في التعامل مع دمشق فالاظافر والانياب السورية تقتلع واحدا اثر اخر دون ان تضطر الولايات المتحدة وحليفتها المزمنة اسرائيل لاطلاق ولو رصاصة واحدة فالامتحان السوري بدا مسليا لتل ابيب وواشنطن الى درجة اذهلتهم واربكتهم فكل ماتطلبه الامر مجرد محقق دولي معروف بعدائه لسورية جمع شهادات من مناهضين للنظام السوري وتسلم تسجيلات هاتفية من الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية لمحادثات ضباط سوريين وصيغت المعلومات في تقرير بالكاد بدا متماسكا ولم تمض دقائق على صدوره حتى احتفى به العالم وكانه البلسم الشافي لكل مشاكل الارض ، فلا الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية ، ولا حرب مدمرة في العراق ، ولا كوارث طبيعية في كل مكان ، وفي الحقيقة لايمكننا القاء كل التبعات على الارتباك السوري ، فالسوريون لم يتحضروا لمثل هكذا مواجهة واقصى ماهياوا انفسهم له رد الاذى عن حدودهم وكسب الوقت بانتظار ظروف افضل للتفاوض ، ومن هنا فان بعض ردود الفعل الارتجالية من جانب دمشق قد تبدو مفهومة بالنظر الى شراسة ماتتعرض له من ضغوط وامام رغبة الاطراف المنادية باعادة السوريين الى مايجب ان يكونوا عليه فان الرئيس السوري بشار الاسد لم يملك الا اتباع سياسة التراجع التكتيكي مع محاولة تحسين المواقع عبر الوعد بمحاكمة كل من يثبت تورطه باغتيال الحريري من السوريين ، وعبر التزام التعاون مع لجنة التحقيق الدولية ، وبالمقابل السعي لحشد تاييد دولي تبدو الصين وروسيا المؤهلتان لتقديمه رغم ان الاسد لاتساوره اية اوهام بهذا الشان ويعلم انه في النهاية يجب ان يتفاوض مع اميركا ولكن حتى تقبل هي او تقتنع بجدوى هكذا مفاوضات فان وضع سورية سيبقى في خطر .