قررت ان أتعاون مع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأرجو ان تتعاون سورية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الجديد. اليوم عندي التالي:
في 22 ايلول (سبتمبر) من السنة الماضية اعلن الياس المر، وزير الداخلية في حينه ووزير الدفاع الآن، انه احبط مؤامرة سلفيين تابعين للقاعدة لنسف السفارة الإيطالية في بيروت احتجاجاً على مشاركة ايطاليا في الحرب على العراق.
الياس المر أحبط يومها من دون ان يدري المؤامرة الأولى، او الأصلية، لاغتيال رفيق الحريري، وهي مؤامرة لو نجحت لكانت اغتالت مستقبل البلد معه، بتدمير الأسواق وهي رمز تعافي لبنان.
السفارة الإيطالية في بيروت تواجه مبنى البرلمان في ساحة النجمة، بمحاذاة كنيسة مار جرجس الأرثوذكسية ثم مقهى ايتوال، حيث اعتاد الرئيس ان يجلس مع الصحافيين وأصدقائه عندما يخرج من البرلمان. ولو أن ألف كيلوغرام فجرت في المكان لكانت أوقعت دماراً هائلاً في قلب العاصمة وقتلى بالمئات.
نعرف الآن ان الأمن اللبناني اعتقل اعضاء الشبكة، وأبرزهم احمد الميقاتي واسماعيل الخطيب. وتوفي هذا الأخير في السجن، وقيل تحت التعذيب. وثار السلفيون وهاجموا مواقع الأمن في عنجر. وثار اللواء رستم غزالي بدوره واتصل بقائد الدرك العميد سعيد عيد ليطلب من الياس المر احتواء المشكلة وتهدئة الأحوال، ثم هدد وزير الداخلية. وهناك معلومات مؤكدة عن المتفجرات، وأين كانت مخبوءة. وقد أفرج عن بعض المتهمين بضغط من اللواء رستم غزالي، كما افرج عن بقية المعتقلين في العفو اللاحق.
إذا كانت المؤامرة الفاشلة مع السلفيين، فإن المؤامرة التي نجحت كانت مع الأحباش، والجماعتان على اتصال وثيق بأجهزة الأمن السورية واللبنانية، وتحديداً باللواء رستم غزالي، والسلفيون قاعدتهم طرابلس/ الضنية، مع وجود قوي في مدن سنّية مثل مجدل عنجر، والأحباش قاعدتهم بيروت الغربية، مع امتدادات محدودة خارجها.
هنا يدخل في الصورة العميد مصطفى حمدان، قائد الحرس الجمهوري، وشقيقه ماجد، فهما ابنا شقيقة ابراهيم قليلات، قائد «المرابطون» خلال الحرب الأهلية، وهؤلاء امتصهم الأحباش تدريجاً، خصوصاً بعد خروج منظمة التحرير من لبنان سنة 1982.
الدور الأمني السوري مع الأحباش في البداية كان هدفه إضعاف معارضة الطائفة السنية اللبنانية للوجود السوري. وهكذا استطاع الأحباش ان يسيطروا على مسجد بعد آخر في الأحياء السنية، وكادوا يوماً ان يستولوا على دار الفتوى عندما رشح احدهم، وهو الأزهري نزار حلبي، رئيس جمعية المشاريع الخيرية، وهي الواجهة الأساسية للأحباش، لمنصب المفتي. إلا ان السلفيين اغتالوه في تمرد على الإرادة السورية، فكأن سنّة لبنان كلهم اغتالوه. ومع ذلك استمر الأحباش في منافسة المؤسسات السنية التقليدية مثل دار الفتوى وجمعية المقاصد الى ان انتهى الوجود السوري في لبنان، وانحسر معه نفوذهم عبر الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية.
ثمة قواسم بين السلفيين والأحباش، على رغم تنافسهما، تتجاوز الرعاية السورية. وأحمد ابو عدس ورد بتفصيل في تحقيق ديتليف ميليس، وهو في الجماعتين، ففي التحقيق الدولي انه عمل في صيف 2004 في محل كومبيوتر يملكه الشيخ احمد العاني عضو شبكة ميقاتي وخطيب. وإذا كانت متفجرات هذه الشبكة في عنجر، فإن مخزن اسلحة ضبط بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري يملكه محمد المملوك، وهذا من جماعة «المرابطون» فقد ألصقت صوره على الجدران وعليها شعارهم، وجرت تظاهرات تطالب بإطلاق «المقاوم الأول».
اقوى ما ضم التحقيق الدولي هو تلك الاتصالات الهاتفية بين احمد عبد العال ومحمود عبد العال ومصطفى حمدان والقصر الرئاسي. وربما زدنا هنا ان ماجد حمدان اسس شركة أمن ضمت عدداً من رجال «المرابطون» وتولت امن مناطق، منها المنطقة التي اغتيل فيها الرئيس الحريري.
أزعم ان المؤامرة الأولى جرت بالتعاون مع السلفيين والثانية مع الأحباش، وأن اللواء غزالي والعميد حمدان كانا على اتصال مباشر بالفريقين، ولا أستبعد ان نكتشف بعد استكمال التحقيق ادواراً لرؤساء اجهزة امنية سورية ولبنانية أخرى، كما لا استبعد ان تكون التهمة النهائية الموجهة الى بعضهم هي كتم معلومات، بمعنى ان هؤلاء لم يخططوا وينفذوا، وإنما عرفوا من خطط ونفذ وكتموا المعلومات او حاولوا تضليل المحققين.
ربما ما كنا رأينا بعض قطع الأحجية لولا تعرض الياس المر لمحاولة اغتيال اتهم بها السلفيون، ثم تردد اشاعة خلاصتها ان المحققين الدوليين يريدون كشف حساباته الخاصة. وفي حين نفى ميليس ان يكون بحاجة الى معرفة حسابات الياس المر، فالضرر وقع، وقبل النفي نقل الوزير الشاب البارودة من كتف الى كتف.
وإذا عدنا الى المؤتمر الصحافي عن المؤامرة على السفارة الإيطالية نجد ان الوزير تحدث عن دور الاستخبارات السورية واللبنانية في كشف المؤامرة مع ان الدور الأهم كان للأمن الإيطالي، وعن شبكتين: واحدة تمارس اعمال التخريب في لبنان، والثانية ترسل انتحاريين الى العراق. ويبدو ان لكل جماعة دوراً، فالأحباش مثلوا فقراء السنّة البيروتيين في وجه طبقة التجار وأرستقراطية الطائفة، وهم قاموا بنشاط اجتماعي خيري جيد دائماً.
وبعد،
ابراهيم قليلات كان المتهم الأول في جريمة اغتيال ناشر «الحياة» ورئيس تحريرها كامل مروة التي نفذها عدنان سلطاني سنة 1966. وفي سنة 1975 قتل المرابطون زميلاً لي في الجامعة هو نجيب عزام بعد ان اوقف على حاجز لهم في الطريق الجديدة، ووجدوا انه مسيحي، ومن دون ان يدروا انه عضو مسجل في فتح. واحتلت قوات فلسطينية بعد قتل نجيب المنطقة، وطاردت «المرابطون» ثم تركتهم لأنهم حلفاء. واليوم يعود إليّ المرابطون في اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحت رداء الأحباش.
الأحباش تظاهروا يوماً بالسواطير دفاعاً عن سورية، وأقول للسوريين انه عندما يكون اصدقاؤهم من نوع الأحباش فهم لا يحتاجون الى اعداء. وأقول للأحباش ان من يعش بالساطور يمت بالساطور.