يمثل "حزب الله" واستطراداً حليفته حركة "امل" باعتراف الجميع في لبنان والخارج الاكثرية الساحقة للطائفة الشيعية التي يعتبر الجميع انها من الطوائف الاكثر عددا في لبنان ان لم تكن اكثرها وذلك رغم غياب الاحصاءات الدقيقة والرسمية. وهو ما كان ليحقق هذا التمثيل لولا جملة امور، منها قيادته المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي لاجزاء من لبنان على مدى سنوات طويلة ونجاحه في تحريرها بعد تضحيات كبيرة جدا لا ينكرها اي من اللبنانيين. ومنها ايضا حصوله على دعم اقليمي واسع جدا وخصوصا من سوريا والجمهورية الاسلامية في ايران الامر الذي مكنه من حماية ظهره من الداخل اللبناني وقيادة عمليات اجتماعية متنوعة كان ابناء الاراضي المحتلة والاراضي المتاخمة لها والمناطق الاخرى المتعاطفة بعمق معه وان بعيدة نسبيا من خط النار ومعظمهم من الطائفة الشيعية في امس الحاجة اليها. ومنها ثالثا افادة الحزب المذكور من الامرين المذكورين ومعه حليفته "امل" للحؤول دون بروز قوى شيعية سياسية وشعبية مؤمنة بالديموقراطية الفعلية ومعترفة له بدوره التحريري وقادرة في الوقت نفسه على منافسته. ومنها رابعا تحول مقاتليه جيشا محترفا اذا جاز التعبير على هذا النحو يملك من الخبرة الميدانية والتكنولوجية ومن الاسلحة ما ارغم الجميع داخل لبنان وخارجه على ان يحسبوا له حسابا ولا سيما في ظل اصراره على تمسكه بسلاحه وبـ"استقلاليته" عن الدولة اللبنانية رغم الكلام الرسمي على التنسيق معها وبخطه السياسي الاقليمي الذي قد يتعارض حينا مع سياسة لبنان وقد يتوافق معها حينا آخر، لكن الذي يمس وعلى نحو مباشر مقومات هذه الدولة وفي مقدمها السيادة والاستقلال.
هذا "التمثيل" الشعبي وتحديدا الشيعي الكبير بل ربما الكاسح لـ"حزب الله" لا يبدو ان احدا قادر على الاقل في هذه المرحلة على تقليصه. وابرز دليل على ذلك هو التغييرات الكثيرة التي شهدها لبنان منذ نيف وعام والتي كان ابرزها حدثان بالغا الاهمية. الاول، انسحاب سوريا عسكريا وامنيا من لبنان في السادس والعشرين من نيسان الماضي. والثاني، تلاقي الغالبية عند الطائفة السنية والطائفة الدرزية الاسلاميتين والطوائف المسيحية في 14 آذار، علما ان خروج جهة مسيحية اساسية من هذه الغالبية لاحقا على اهميته لا يؤثر عمليا على دورها او على حجمها في المطلق. ومعروف ان سوريا كانت خط دفاع اساسيا عن "الحزب" في لبنان. ومعروف ايضا ان تجمع "الطوائف" المذكورة لا يمكن تجاهل حجمه وآثاره الحالية والمستقبلية، فتلك المتغيرات دفعت "حزب الله" و"امل" الى تعزيز تحالفهما الذي كاد ان يقترب من مرحلة الاندماج او على الاقل من مرحلة القيادة الجماعية المشتركة. ولم يكن الدافع الى ذلك فقط الخوف من اسرائيل ومن عودة الخطر الاسرائيلي الى لبنان عبر الرعاية الدولية او الوصاية الدولية التي حلت مكان الوصاية السورية بعد انسحابها ولا الرغبة في مواصلة مهمة تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة مثل مزارع شبعا واستعادة اسرى لبنانيين من سجون اسرائيل ولا الحرص على توازن ردعي معها يجنب لبنان اعتداءاتها المستمرة. بل كان الدافع الى ذلك ايضا وربما قبله الاقتناع بان المرحلة الاقليمية (المرعية دوليا) في لبنان التي انتهت في 26 نيسان الماضي قد انتهت وان مرحلة اقليمية دولية جديدة فيه قد بدأت. واذا كانت المرحلة المنتهية ساهمت في الصعود الصاروخي لـ"حزب الله" و"امل" ومن يمثلان على الصعيد الشعبي وفي "تحجيم" فئات لبنانية اخرى مهمة اساسا فان المرحلة الجديدة قد تساهم في نزولهم وفي توفير ظروف الانطلاق الصاعد لهذه الفئات وذلك ليس لان قادة هذه المرحلة يرفضونهم بل لانهم مثلوا ولا يزالون يمثلون خطا سياسيا وترجمة عسكرية له مناهضين او بالاحرى متناقضين مع الخط السياسي الذي ينتهجون. وفي اختصار ووضوح وصراحة ان الصراع الدائر حاليا في لبنان ليس ناجما فقط عن قضايا ايديولوجية وطنية وقومية ودينية عامة فحسب بل ايضا عن رغبة اقطاب المرحلة السابقة في المحافظة على وضعهم الممتاز داخل الدولة والبلاد ورغبة اقطاب المرحلة الحالية (الجديدة باعتبار انها لم تترسخ بعد) في استعادة "ملك مفقود" اذا جاز التعبير او في احسن الاحوال في اقامة شراكة وطنية اساسها التكافؤ والكفاية وليس العدد وحده على اهمية العدد. ورغم ان الحديث عن هذا الصراع اقتصر في المدة الاخيرة على الاجتماعات والصالونات واللقاءات، فانه قد بدأ يأخذ طريقه الى العلن عبر وسائل الاعلام. وذلك مطلوب رغم انه يدل على امور كثيرة غير مستحبة منها ان اللبنانيين لم يتعلموا من تجارب الماضي على مرارتها ومنها ان الطوائف والمذاهب عندهم لا تزال اهم من الوطن وان الاستعانة بالخارج اي خارج للمحافظة على وضع ما وإن على حساب المحافظة على لبنان تبقى مبررة رغم ان سلبياتها صارت واضحة للصغير قبل الكبير وسواء كان المستعان به عدوا او شقيقا في الدين او في السياسة. فالجروح التي تلتئم على زغل تلتهب وقد تؤدي الى التهلكة، وتجاهل المشكلات او الخجل من الخوض فيها يزيدها تفاقما بدلا من ان يحلها. وحده الاعتراف بها والسعي الى معالجتها يمكنان لبنان في هذه المرحلة من اعادة بناء نفسه على اسس واضحة وثابتة. اما الاستمرار فيه ودفن الرأس في الرمال فانه لا بد ان يبقي النار تحت الرماد في البلاد في انتظار ان تؤججها تطورات او متغيرات بعد مدة من الزمن.
والصراحة والوضوح وعدم الخجل والواقعية كلها امور مطلوبة من "حزب الله" و"امل" ومن سائر الاطراف اللبنانيين اذا كانوا راغبين فعلا في بناء وطن يعالج جديا مشكلاته. اما البحث بعيدا من الاعلام في صفقات ثنائية ثبت فشلها اكثر من مرة فلا يمكن ان ينتج استقرارا فضلا عن انه لا ينم عن حكمة وبعد نظر. في اختصار "ان من جرب المجرب كان عقله مخربا" على ما يقول المثل.
اعتبر اصدقاء ان ما ورد في الفقرة الاخيرة رقم 5 من "الموقف هذا النهار " يوم امس قد يكون توخى الدقة او ما اعتبرناه دقة لكنه يسيء الى المساعي الجارية مع سوريا لاقناعها بالتعاون مع المجتمع الدولي. ونحن نعتذر اذا كانت الاساءة حصلت فعلا ونشير الى ان قصدنا كان وسيبقى التعاون وليس المواجهة.