ليس من السهل ولا من المعتاد على أغلب السوريين الاعتراف بالخطأ، أي الإقرار بأن الواحد منهم قام بفعل أو اتخذ موقفا ليس صائبا بالمقاييس العامة والمفترضة لقياس الخطأ والصواب.
ليس من السهل ولا من المعتاد على أغلب السوريين الاعتراف بالخطأ، أي الإقرار بأن الواحد منهم قام بفعل أو اتخذ موقفا ليس صائبا بالمقاييس العامة والمفترضة لقياس الخطأ والصواب. وإن كانت هذه الصفة أو العادة عامة أو مشتركة بين الغالبية، وعادة ما توجد لدى جميع الشعوب صفات مشتركة بين أفرادها ولا يعيبها ذلك في شيء، فإنها تنسحب أيضا على النخبة عندنا بجميع مستوياتها وفي جميع حقول فعلها وعملها. وهي إذ تظهر بوضوح وفجاجة في خطاب هذه النخب، تجعلنا نميل إلى الشك في أن هذه النخب هي من كرسها، إن لم نقل هي من أنشأها وأوجدها في حياتنا. ويدعم اعتقادنا هذا مدى وقوة حضور التنكر للخطأ في خطاب هذه النخب، لدرجة يصعب علينا أن نحظى بقول أو بتصريح لإحدى شخصياتنا الثقافي أو السياسية يعترف فيه بأنه كان مخطئا في فعل أو رأي أو موقف سابق، اللهم إلا اعترافه أحيانا بأنه وقع في الخطأ (ولم يخطئ) عندما وثق بطرف آخر فلم يشك فيه كفاية، أي أنه كان مخطئا بدرجة طيبته التي ينظر من خلالها إلى الأمور ويتعامل بهداها مع الآخرين. وبالتالي فإن الآخرين هم الخاطئين لأنهم لم يكونوا أهلا لطيبته، التي يدرك تماما، ويضمر في اعترافه، أن الطيبة في مقاييسنا الأخلاقية ليست عيبا بل ميزة. وهذا التقدير إن كان يصح في حياتنا الاجتماعية فإن الطيبة في المنطوق السياسي والثقافي لا يمكن اعتبارها غير هبل.
كذلك فإن لدى بعضنا صنف آخر من الاعتراف بالأخطاء لا يتعدى اعترافه بأنه أخطأ من دون أن يحدد هذا الخطأ أو حتى، أحيانا، لا يسميه. وهذا ليس أكثر من التماشي مع القيمة الأخلاقية والدينية أن الإنسان لا بد أن يخطئ، ولا يمكن أن يكون كاملا. إذ الكمال لله وحده.
لكن يبقى عندنا بالعموم أن الاعتراف بالخطأ ليس فضيلة، أقله على مستوى الممارسة. فإن كانت مثل هذه الصفة لا تعاب على العامة، فإنها بكل تأكيد تعيب النخبة وخاصة الثقافية والسياسية منها، التي إن ضُبطت متلبسة بالخطأ، خاصة الواقع منه في زمن ماض، فتبادرنا بحجتها السيئة: "لم يكن في الإمكان أفضل مما كان"، أو "ليس في الإمكان أفضل من هذا" إذا كان خطؤها حاضر في الزمان. أي أن الخطأ المضبوط الآن لم يكن خطأ في لحظته وفي ظروفه، بل كان في حينه صوابا واعيا. فالعيب إذن هو في الظروف التي ما كان يمكنها أن تحتمل غير هذا الخطأ المراد، وليس في أداء هؤلاء الفاعلين الذين نعيش دوما في نتائج أفعالهم.تخطئ نخبنا السياسية والثقافية في اعتبارها الخطأ دليل قصور وضعف، وليس شرطا بشريا بل ومعرفيا. فعلاوة على أنه من حقنا جميعا أن نخطئ، فإننا نتكون معرفيا من أخطائنا ومن اعترافنا الصريح بهذه الأخطاء. ولا يمكن تجاوز الأخطاء من دون الإقرار بها، ومن دون الإقلاع عن رميها على الظروف وعلى الآخر، وعلى أي شيء غيرنا.
هذا عن الخطأ فما بالنا بالاعتذار عنه