غامض ... واقعي ... لعلهما ابرز الصفات التي اطلقها مسؤولون اسرائيليون اساسيون على ما ينتظر من مؤتمر الخريف المقبل . فاولمرت يريد بيانا غامضا ، وكان الغموض الذي لف كلمة واحدة في القرار 242 ، لم يزل يؤرجحنا منذ اربعين سنة على حبلي حرفي الالف واللام . وليفني تدعو الرئيس عباس لان يكون واقعيا ، كأن دعوى الواقعية السياسية لم تشكل غطاء وتمويها لكل الاخفاقات والتنازلات التي وقعنا فيها منذ عقود . اذن لا جديد حتى في النعوت والاوصاف ، غير ان الجديد ان استعمال هذه المصطلحات انما جاء هذه المرة ليمسك بكتف عباس ، ليهزه قائلا : هوه ،، الى اين ؟ لا ليس الى هذا الحد من الاحلام والمبالغات . ، بل من الضحك على ذقون الناس الذين تعدهم بما لا نفكر باعطائك ذرة منه، ،
لكن الرجل لا يرتدع وكانما اصابه هوس الكلام ، وصدق نفسه متجاوزا مهمة اقناع عباد الله الذين قد يكونون مساكين لكنهم ليسوا ابدا سذجا . فالتجارب من جهة وطبيعة الرهانات التي لا تلامس مشكلة عدد ساعات العمل ، على سبيل المثال ، بل مشكلة الوجود بكله ، قد جعلت من الجمهور الفلسطيني والعربي بعامة ، جمهورا لبيبا يفهم من الاشارة او حتى بدون اشارة . لكن الغريب ان هذا اللبيب قد اصيب بالشلل النصفي الذي اقعده ارض الخيبة ، وارض المعرفة التي لا تنفع فاذا بها كالجهالة التي لا تضر. كما انه في حين اخر يفضل التواطؤ النفسي لاقناع النفس بالاقتناع ، تبريرا لمصلحة او تبريرا لتقاعس او تنفيسا لاحقاد منضما بذلك الى قافلة انظمته الحاكمة.
الاسرائيليون يعرفون ان ما يحصل انما يصب في مصلحة واحدة هي مصلحة كونداليزا رايس في انجاز نجاح ديبلوماسي ولو وهمي يسجل في حساب رئيسها الغائص في وحل العراق . ومن جهة اخرى في اثارة غبار يغطي على تمرير محاولات التقسيم وعلى ما يمكن ان يواجهها من معارضة . (ولربما افاد في هذا المجال ان نتذكر ان المكونات السياسية الرئيسية في الهلال الخصيب لم تكن راضية او قابلة بسايكس بيكو عندما ابرمها الفرنسيون والانكليز) ومن جهة ثالثة في تمرير الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
ولكن - والاهم - ربما في التغطية النفسية على عدوان قد تشنه اسرائيل على سوريا او على المواقع النووية الاسرائيلية ، وبالطبع على ما تقدمه واشنطن من دعم لهكذا عدوان . لكن الغريب ، في كل هذا السياق ، ليس الموقف الاسرائيلي او الاميركي ، فكلا الطرفين يعمل على تحقيق مصالحه . لذلك فان انزعاج تسيفي ليفني من ضغط اميركي يجير بعضا من المواقف الاسرائيلية لمصلحة جورج بوش ، يجعلها تخرج بالتصريحات القاسية الموجهة الى ابو مازن - وهذا ما ينسجم مع موقف الوزيرة الاسرائيلية من حرب تموز الاخيرة على لبنان - في ظل واقع يجعل واشنطن بحاجة الى اسرائيل في المرحلة الحالية وليس العكس.
الغريب هو حماس السلطة الفلسطينية للقاء الذي لا يبلغ مستوى المؤتمر ، في ظل كل ما سبق . مما يعني تقديم خدمة اكثر من مجانية لواشنطن . اكثر ، لان فاتورتها تدفع من الحساب الفلسطيني فحسب . في حين كان بامكان السلطة ، ان لم تتمكن من استغلال المازق الاميركي ، ان تتمسك بمبادرة الملك عبدالله كتكتيك ناجح ، طالما انه ما من حلول تلوح في الافق ، نظرا لطبيعة موازين القوى القائمة.
وطالما ان النموذج الامثل للحلول التي تقترحها اسرائيل على الرئيس الفلسطيني ، بحسب تسريبات الاعلام الاسرائيلي ، هو مبادلة اراض خصبة غنية بالمياه في الضفة الغربية ، بجزء قاحل من صحراء النقب.