اشهر الاساطير واولاها مما وصلنا مكتملا في تاريخ الانسانية هي تلك التي صيغت على ارض الرافدين باستهلال او عنوان :" الاينوما ايليش"وترجمتها بالعربية :"عندما في الاعالي".
هي قصة صراع وجودي تنتهي بانتصار الاله مردوخ على الالهة تيامات وشطره جسدها الى نصفين صانعا منهما السماء والارض . في اول تصور لعملية الخلق . لكن انشطار الجسد لن يؤدي في كل مرة الى عملية خلق ، وما يترجم منه بتقسيم العراق الحالي الى ثلاث وربما الى ما لا ندري من جزيئات ، لن يؤدي - اذا حصل لا سمح الله والمقاومة الواعية - الا الى الموت والتفتت ثم التحلل ، ليس للعراق فقط وانما للمنطقة كلها.
لذا فان هذا الامر اكثر من خطير ، ومقاربته سواء من خلال تناول قرار الكونغرس الاخير ، او من خلال السعي الجاري على الارض ، هي مسألة بالغة الاهمية . بالغة الاهمية ليس بالنسبة للعراق فقط وانما بالنسبة لكل دولة من دول المنطقة ومنها تلك التي تسيطر على الاعلام الفضائي ، اضافة الى الاعلام المكتوب . وهي ايضا مسألة لا يمكن ولوجها الا بالاستناد الى الاسس الفكرية الواضحة التي تنسف حجج الدعاة المبشرين ، والمجرمين الذين يعملون على فرض الامر الواقع .
كما بالاستناد الى معرفة واسعة بالسياقات التاريخية والسياسية للقضية العراقية والقضية القومية عامة والعالمية بشكل اعم.
لذلك لا بد من القول ان انبراء الزميل فيصل القاسم الى طرح الموضوع في حلقة برنامجه لاسبوع ما قبل الاعياد ، هو اختيار في صلب مكانه وتوقيته ، غير ان مجرى حلقة واحدة لا تكفي لمقاربة هذه القضية المصيرية الخطيرة ، كما ان تلك المقاربة يجب ان تشكل موضوع حملة اعلامية في اكثر من برنامج على اختلاف تركيبة البرامج السياسية المعروفة واختلاف القنوات.
من ناحية اخرى ثمة ملاحظات على الحلقة المذكورة تندرج ضمن الاطارين الشكلي والموضوعي ، لا مجال لتناولها جميعا في مقال واحد ، لذلك سنتناول الاول اليوم ، والثاني غدا .
في الشكل : من الجانب المؤيد للقرار ، وقد اختار منه الطرف الكردي ، كان الخيار مبررا لان الاكراد هم الاكثر حماسا له ، والاكثر صراحة في اعلانهم الرغبة في الانفصال ، وتطبيقها على الارض.
لكنه كان من الافضل ان يؤتى برجل ذي موقع سياسي ، صاحب قرار ومسؤولية رسمية في منطقة كردستان. اما من الجانب الاخر وقد اختار المناضل القومي الدكتور ابرهيم علوش ، فقد كان من الافضل ان ياتي بشخصية عراقية قومية ورافضة للتقسيم او للفدرالية . ليس من باب الرؤية الاقليمية ، ولكن لسببين :
اولا لانه يتوجب ابراز العراقيين الحقيقيين في وطنيتهم وقوميتهم ومقاومتهم للاحتلال ولكل مشاريعه. وطالما ان الحديث يكثر عن المقاومة السياسية ، اوليس الدفاع عن وحدة العراق ابرز واجبات ووجوه هذه المقاومة ؟
وثانيا لان اهل مكة ادريس بشعابها ، من حيث معرفة الشخصيات المخضرمة بتاريخ المسائل الانفصالية وتحديدا الجانب الكردي منها ، وتاريخ العلاقات بين مختلف مكونات الشعب العراقي. اضافة لما يفترض في شخصية قومية ان تعرفه عن سياقات المنطقة والعالم . دون ان يكون في ذلك اي انتقاص من قدرات الدكتور علوش المشهود لها في اكثر من مقارعة سابقة. والى الغد.