دخل على لائحة المواقع المتفجرة في المنطقة تجدد النزاع بين تركيا و «حزب العمال الكردستاني» بما يهدد بتوسيع نطاق المواجهات العسكرية بين الجانبين في شمال كردستان العراق، كما أنه يهدد بإضافة عامل اضطراب جديد في العراق، بالاضافة إلى بلوغ العلاقات التركية ـ الأميركية مرحلة غير مسبوقة، تقريباً من التوتر العالي.
وفي سياق التركيز على الأزمات والمناطق الأكثر تفجراً ينبغي التوقف عند المواقع الأكثر سخونة والتي يُهدد مسار الأحداث فيها بالكثير من التداعيات والمضاعفات.
فلبنان يعيش الشهر الأخير من الاستحقاق الرئاسي، والأزمات التي ترافق هذا الاستحقاق بالغة التعقيد من امكانية توافق جميع المتناقضات السياسية على رئيس وفاقي مع حالة الاحتقان القائمة وخاصة في صفوف الموارنة، إلى فشل التوصل إلى مثل هذا التوافق ولجوء فريق 14 آذار (مارس) إلى انتخاب رئيس جديد بنصف العدد زائداً واحداً، ومن شأن هذا الإجراء إذا تم أن يدخل البلاد في المزيد من التعقيد بل إلى حد التقسيم.. ليصبح الكلام عن انتخاب رئيس آخر لـ «الجانب الآخر» وكأنه حقيقة قائمة، وإذا ما فشل هذا الخيار، لا يبقى للبنان من «حلول» سوى الفراغ والفوضى.
وتحتشد في لبنان هذه الأيام الوساطات والوسطاء من العرب والعجم من المثلث الوزاري الأوروبي كوشنير - داليما - موراتينوس الى وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط الذي حضر يوم الخميس الماضي وجال على كل المرجعيات ليخلص إلى طرح الشعار «أرفعوا أيديكم عن لبنان».
ومن قبيل مقاربة الأمور والمناسبات أذكر أنني توجهت إلى القاهرة العام 1976، بعد مرور سنة على اندلاع الحرب، والتقيت الرئيس الراحل أنور السادات وأجريت معه لقاءً متلفزاً استعيد بعض أبرز ما جاء فيه:
«أقولها بالصوت العالي: أرفعوا أيدكم عن لبنان».
«أحذر من الخطورة البالغة للوضع في لبنان ويجب عمل كل شيء لمنع قيام فلسطين ثانية!.. ألا تكفينا فلسطين واحدة؟».
ثم قوله: «أعلن عبركم انني على استعداد للتوجه إلى بيروت وأتعهد بألا أغادرها قبل أن أجمع الرئيس سليمان فرنجية بياسر عرفات».
إذاً... الصرخة المصرية التي تنادي برفع الأيادي عن لبنان تعود إلى سمات عهد الرئيس السادات. لكن الأمر غير الواضح هو: لمن يوجه هذا النداء؟ ومن هو المقصود به؟ هل هو التدخل السوري؟ أم الإيراني؟ أم الأميركي؟ أم الفرنسي أم جزر القمر؟ لمن ضمير الغائب؟ وعندما يطرح السؤال يسكت المسؤولون العرب عن الكلام المباح.
وفي نظرة شاملة إلى واقع الأمور في لبنان نرى بأن الجميع يتدخل في لبنان تحت شعار عدم التدخل.
وفي المواقف الاقليمية والدولية ذات الصلة بموضوع الاستحقاق الرئاسي يشار إلى التالي: الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يقول: «لا نريد تحطيم النظام السوري... والأفضل له ألا يعزل نفسه عن العالم» فترد سورية بلسان الرئيس بشار الأسد وخلال زيارته الأخيرة لتركيا أن دمشق «لن تتدخل في الخيار اللبناني وهي مع الحل الذي يتوافق عليه اللبنانيون».
لكن واشنطن ما زالت تستخدم لهجة تصعيدية محذرة سورية وإيران من التأثير على مجريات الانتخابات الرئاسية في لبنان. لا بل أن نائب الرئيس ديك تشيني وجه تهديدات واضحة إلى كل من سورية وإيران.
ويقود الحديث عن الوضع اللبناني تلقائياً إلى الخوض في الموضوع الإيراني الذي ارتفعت درجة حرارته مع استقالة علي لاريجاني الذي كان ممسكاً بالملف النووي وهو يمثل تيار الاعتدال النسبي، وتعيين خليفة جديد، هو سعيد جليلي من أقرب المقربين للرئيس أحمدي نجاد ولوزير الخارجية منوشهر متقي. ومع هذا التغيير أكمل الرئيس الإيراني الامساك بالملف النووي.
وبعيداً عن أجواء التفاوض نسوق بعض المعلومات عن «ظاهرة أحمدي نجاد» مع رهان عواصم غربية على اتساع دائرة الحركات في الداخل الإيراني احتجاجاً على سياسته. من هذه المعلومات: حصل الرئيس أحمدي نجاد العام 1997 على شهادة دكتوراة في هندسة النقل. ويقول عن نفسه «انني مهندس ومتخصص في الأرقام والحسابات». ويقول لمحاوريه: «لن يتجرأ أحد على شن حرب على إيران ولدي الاثباتات على ذلك: «انني أضع جداول وحسابات طوال ساعات واستعين بالمنطق لأصل إلى نتيجة لا يمكنهم معها التسبب بمشاكل لإيران».
وإذا ما انتقلنا إلى الجانب السياسي والتقني من الصراع القائم بين الولايات المتحدة وإيران نلاحظ أن الرئيس جورج دبليو بوش يصعّد من حملته ويقول: إذا احتفظت إيران بالقدرة على انتاج الأسلحة النووية فهناك خطر وقوع حرب عالمية ثالثة. ورغم أهمية كلام بوش لكن الأكثر عنفاً وتأثيراً في صنع القرار الأميركي هو «الرئيس ديك تشيني» كما يؤكد العارفون بكيفية اتخاذ القرارات في البيت الأبيض. ويقول الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر أن نائب الرئيس تشيني «مخطئ كالعادة وهو يسعى إلى مغامرة كارثية في المنطقة».
لكن الانقسام بين تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بات واضحاً من حيث اصرار رايس على اعتماد المزيد من الديبلوماسية قبل اللجوء إلى الخيار العسكري.
ولدى الحديث عن الخيار العسكري أعرب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجديد الأدميرال مايك مولين عن اعتقاده بأن عمليات مكافحة المسلحين في العراق وأفغانستان استنزفت القوات المسلحة لدرجة أن الجيش وسلاح مشاة البحرية «ربما يكونان غير مستعدين للدخول في حرب جديدة مع طرف ثالث» ويضيف: «مع انشغال أميركا بالحرب في بلدين اسلاميين فإن فكرة مهاجمة دولة اسلامية ثالثة في المنطقة تنطوي على مخاطر غير عادية».
وفي اعتقاد المراقبين المتابعين عن كثب للنزاع الأميركي - الإيراني أن التطورات الآتية ستركز على متابعة عمليات التجاذب الحادة، وممارسة المزيد من العقوبات على إيران قبل التفكير النهائي بالحل العسكري. وفيما تتحدث واشنطن عن «تقدم كبير» في برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، يقول محمد البرادعي المدير العام لوكالة الطاقة الدولية «ان طهران تحتاج من ثلاث إلى ثماني سنوات لتصنيع القنبلة النووية».
وكما سارعت الإدارة الأميركية الحالية لتضخيم أزمة امتلاك عراق صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل لتبرير شن الحرب عليها، فهي تسارع الآن إلى المبالغة في نوعيات الأسلحة التي تمتلكها إيران، إذ قال الرئيس جورج بوش قبل أيام «إن باستطاعة إيران إطلاق صواريخ بالستية مع رؤوس نووية عابرة للقارات وبامكانها أن تصل إلى قلب أوروبا وحتى إلى الولايات المتحدة».
ومثل هذا الكلام يذكرنا أيضاً بالبيان الذي أدلى به رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير والذي نشر الذعر والخوف في أوساط مجلس العموم عندما قال: «ان باستطاعة صدام حسين إطلاق صواريخ باتجاه بريطانيا ويمكن أن تصل خلال خمسة وأربعين دقيقة فقط».
فهل أن صورة الوضع تندرج تحت المعادلة التالية: أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي لم يعثر على أثر لها حتى الآن... لكن شنت الحرب الأميركية - البريطانية قفزاً فوق مجلس الأمن الدولي والعالم... والآن تشن الحملات الإعلامية التي تضخم الامكانات العسكرية والتدميرية، من نووية وغيرها لدى إيران، واستطراداً اتهام سورية بالحصول على «مواد نووية» زودتها بها كوريا الشمالية. وفي هذا السياق نفسه يندرج الهجوم الجوي الذي قامت به الطائرات الإسرائيلية وقصفت موقعاً قيل إنه يحتوي على مثل هذه المواد النووية. وفي خضم هذا السجال تفرج طهران عن معلومات مفادها أن باستطاعتها إطلاق 12 ألف صاروخ في الدقيقة الواحدة.
ان الحديث عن وجود سيناريو ينص على قلب الطاولة في المنطقة على الجميع («الحياة» - 16 أيلول/ سبتمبر 2007) كان في معرض استشراف ما سيحمله المستقبل القريب الآتي إلى المنطقة، حيث يؤشر بعض القرائن إلى احتمال فتح أكثر من جبهة في أكثر من مكان تحت شعار: المنازلة الكبرى بين التوجه الأميركي في المنطقة، ودول محور الممانعة التي تنصب «كميناً» للهجمات الأميركية.
ومع كل هذا وذاك تعمل إدارة الرئيس بوش على الإعداد لانعقاد مؤتمر دولي للسلام في انابوليس الشهر المقبل أو بعده، فيما تشير كل الدلائل الى التعثرات التي تواجه هذا المؤتمر، بالاضافة إلى عدم وجود آلية جدية لخروجه باختراق ما على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، هذا إذا لم يتم تأجيله.
وختاماً: كشف الجنرال ويزلي كلارك القائد السابق لحلف شمال الأطلسي عن أن إدارة جورج دبليو بوش وضعت استراتيجية عسكرية منذ وصولها إلى السلطة العام 2000 تتضمن شن حروب ضد سبع دول في الشرق الأوسط منها العراق لتغيير نظم الحكم القائمة فيها. ويشير كلارك الى أن جنرالاً أميركياً كبيراً في «البنتاغون» أكد له قبل أسابيع عدة من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) أن الولايات المتحدة في سبيلها للتدخل في سبع دول خلال خمسة أعوام تبدأ بالعراق وسورية وتنتهي بإيران وللخطط وللحروب تتمة.