في القول المأثور: إذا اردت أن تحصل على السلام فاستعد للحرب. لكن إذا أردت الذهاب إلى الحرب فما الذي يجب عمله؟ الاستعداد للسلام، وكيف؟
ومرد هذا التساؤل انعقاد أول لقاء عربي ـ إسرائيلي في إطار المبادرة العربية حيث التقى في القاهرة وزيرا خارجية مصر والأردن مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني التي وصفت اللقاء «ليس هاماً فقط لكنه تاريخي». وتضيف: «ان هذه المحادثات بداية يمكن أن تشجع على تحقيق السلام في المنطقة»، مشيرة إلى بروز آفاق جديدة في فهم العالم العربي لضرورة دعم عملية السلام. وحرصت ليفني على القول أن الاجتماع الثلاثي المقبل سيكون في إسرائيل.
وانعقاد الاجتماع الثلاثي في القاهرة يوجب طرح السؤال: هل بدأت عملية تفعيل المبادرة العربية؟
في بداية اللقاء أبلغ الجانب العربي الذي كلفته القمة العربية التي انعقدت في الرياض القيام باتصالات مع إسرائيل عبر الوزير أحمد أبو الغيط: «هناك مبادرة عربية للسلام تستهدف الوصول إلى إقامة سلام شامل بين إسرائيل والجانب العربي سواءً الفلسطينيين أو سورية أو لبنان وبقية العالم العربي في ما يتعلق بالتطبيع». وأوضح وزير خارجية مصر أن الأطراف المعنية هي التي ستتفاوض مع إسرائيل (الفلسطينيين وسورية ولبنان) وأن الجامعة العربية بتكليفها لهذه المجموعة تعمل على تجهيز المسرح وتهيئة المناخ المناسب واحتياجات الطرفين ثم الدفع بعملية السلام.
وقد تباينت ردات الفعل داخل إسرائيل حول كيفية التعاطي مع الطرح العربي للسلام عبر المبادرة، وتوزعت الآراء بين متحفظ عنها، فيما ابدى الفريق الآخر حماسة واضحة لاغتنام هذه الفرصة.
لكن، ومع اعتراف إسرائيل عبر وزيرة خارجيتها بـ «تاريخية» اللقاء، كانت ردات الفعل على تقرير فينوغراد تتحول إلى عمليات تجاذب من النوع الحاد بين رئيس الوزراء ايهود اولمرت وباقي الكتل السياسية على اختلافها بعدما أصر أولمرت على رفض تقديم استقالته، وقال كلاماً يجب التنبه إليه وهو :»انني أعترف بالكثير من الأخطاء التي رافقت الحرب على لبنان أو ما يعرف بـ «حرب تموز» أو «فشل الحرب الثانية» بين لبنان وإسرائيل. لكنه أضاف: «... أتحمل المسؤولية بكاملها لكنني باقٍ في منصبي للعمل على تصحيح هذه الأخطاء ثم الاستقالة».
ومثل هذا الكلام يسمح بالتساؤل عن مكان وزمان حرب الثأر ورد الاعتبار التي تعد لها إسرائيل؟ وحفلت الصحف الإسرائيلية بالعديد من التعليقات حول الدفاع عن «الشرف الوطني» ومنها: «أن الجيش الإسرائيلي ملزم بأن يفترض بأن الحرب في الصيف الحالي ممكنة».
ووصف تعليق آخر، نشرته صحيفة «معاريف» واقع اولمرت بعد تقرير فينوغراد على الشكل الآتي: «اولمرت ذبح بسكين باردة في ميدان المدينة، وبدا مثل دجاجة مقطوعة الرأس وهي ما زالت تركض وترفرف وريشها يتطاير لكن سرعان ما ستتوقف وتنهار».
هذا على صعيد آلية تفعيل مبادرة السلام، لكن جبهة البراكين الغاضبة المتأججة في المنطقة كانت تسجل تطورات بالغة الخطورة مع وصول نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى المنطقة وبقي في بغداد أكثر من الفترة الزمنية التي كانت مقررة في الأصل. وعلينا أن نتذكر في كل مرة يزور فيها تشيني بعض دول المنطقة نشهد وقوع أزمات كبرى والبعض منها على مستوى الحروب. فماذا في خلفية جولته الحالية وإلى أين تتجه الأنظار لمعرفة التفجر الجديد الآتي، خاصة إذا ما علمنا أن نائب الرئيس الأميركي عبّر عن تشاؤمه بالنسبة للوضع في العراق وهو الذي كان يتغنى بالانجازات الأميركية على الأراضي العراقية ويرسم للرئيس جورج بوش الصور الوردية عن «الوضع المستتب في العراق»!
ويمكن لكل متابع لمجريات الأمور من حيث التورط الأميركي أن يلاحظ وجود مجموعة من القرائن والأدلة الحسية التي تعكس تغيراً في التكتيك وتبدلاً في الاستراتجية. وشهد لقاء تشيني ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعض التوتر عندما ابلغ نائب الرئيس الأميركي المسؤولين العراقيين «ضرورة تحمل مسؤولياتهم» والتشديد على تحقيق المصالحات والتركيز على الحلول السياسية أكثر من الحلول العسكرية. وتزامن ذلك مع معلومات واشنطن التي أفادت أن وزير الدفاع روبرت غيتس يضع عدة بدائل لمواجهة تداعيات عدم تحقيق الاستراتيجية الحالية للنتائج المرجوة منها والمتمثلة ببسط الأمن في بغداد وتحقيق المصالحات «في موعد لا يتعدى حلول الخريف المقبل».
وفي سياق تصاعد الحملات المعادية للرئيس بوش داخل حزبه ابلغت مجموعة من الجمهوريين المعتدلين سيد البيت الأبيض «أن الأوضاع في العراق يجب أن تتحسن سريعاً وإلا سيخسر المزيد من التأييد داخل الحزب لأن تأييد الجمهوريين للحرب في العراق آخذ في الانهيار». وهنا تقفز بعض التساؤلات المثيرة للقلق على غير صعيد وأكثر من جهة ومنها: من الذي يمكن أن ينقذ أميركا من نفسها ومن سياستها ؟
وفي هذا المجال يبدو بوضوح أن المؤتمر الدولي الخاص بالعراق والذي انعقد في شرم الشيخ لم يكن لانقاذ العراق بقدر ما كان لإنقاذ الولايات المتحدة في العراق، فيما تتزايد ضغوط «محور الممانعة» والتي تعمل على تحرير العراق من أميركا.
أما لجهة المشهدية للواقع المأساوي فالشواهد كارثية ومدمرة وخطيرة مع تزايد يومي في أعداد النازحين الهاربين من جحيم المعارك. وتكرس الأمم المتحدة بشخص الامين العام بان كي - مون مع سائر المؤسسات الدولية كل الجهود لضمان استقبال قوافل النازحين من العراق إلى عدد من دول الجوار.
واستناداً لكل ما يجري فقد بلغت المنازلة بين القوات الأميركية والخلايا الإرهابية من الانتاج العراقي المحلي بالاضافة إلى الارهاب الوافد عبر الحدود مرحلة حرجة وهذا ما ركزت عليه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في لقائها مع وزير خارجية سورية وليد المعلم على هامش اجتماعات شرم الشيخ.
وفيما تزداد الجبهات اشتعالاً وتأجيجاً من بغداد إلى سائر المناطق العراقية يبرز المشهد المأساوي حيث تهاجر الأوطان إلى خلف الحدود وفي ظروف حياتية شديدة القساوة وتترك هذه الأوطان للإرهاب لكي يستقر فيها و»يستوطن».
وإذا كانت صحيحة الرواية حول عدم لقاء الوزيرة رايس مع وزير خارجية إيران منوشهر متقي، تلك الحسناء التي كانت تعزف على آلة الهارب ذات الأصل الفرعوني. وقيل أن الثياب التي كانت ترتديها هذه الحسناء والتي تم استقدامها خصيصاً للترفيه عن الحشد الكبير من وزراء الخارجية في اجتماع شرم الشيخ، فان المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران سائرة في وتيرة تصعيدية وتصاعدية. وفيما تعمل الوزيرة رايس على إحداث اختراق في العلاقات الإيرانية ـ السورية، يطرح السؤال: من الأكثر نفوذاً في العراق: أميركا أم إيران؟
وحيال تقديم واشنطن بعض الطروحات لطهران لبعض المشاكل المعلقة والتي يوجزها العنوان العريض: الملف النووي الإيراني، تقدمت السلطات الإيرانية بـ «خطة متكاملة» تضم النقاط التالية:
1- استعداد إيران لـ «تسهيل» عملية انسحاب القوات الأميركية من العراق.
2 - وتقضي بتجميع القوات الأميركية والبريطانية في قواعد ومعسكرات داخل العراق.
3 - إعداد خطة واضحة للانسحاب الأميركي الذي يجب أن يكون مبرمجاً «خوفاً من إعادة خلط الأوراق» من جديد.
4 - مشاركة السنة والأكراد في محاربة «القاعدة» وخصوصاً «انصار الاسلام».
5 - معارضة الفيدرالية وكل مساعي التقسيم.
وفي المحصلة الأخيرة يبدو وكأن أزمة أسلحة الدمار الشامل والتي دخلت أميركا الحرب إلى العراق على أساسها، تبرز من جديد في سياق المواجهة بين واشنطن وطهران. فكما سوّق المحافظون الجدد فكرة امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل ها هي أميركا تؤكد أن باستطاعة إيران تطوير صواريخ تكون قادرة على قصف أميركا في فترة لن تتعدى 8 سنوات.
ألم يقل رئيس الوزراء البريطاني المودع طوني بلير في معرض تبريره للمشاركة في الحرب على العراق أن صدام حسين يمتلك صواريخ بامكانها أن تصل إلى بريطانيا خلال 45 دقيقة ! وبعد طول مكابرة وعدم الاعتراف بحقائق الأمور للفشل الأميركي الذريع في ضبط الأوضاع، بدأ الرئيس بوش الإقرار بالوضع البالغ السؤ القائم في العراق. لكنه عمد في الآونة الأخيرة إلى نشر موجة من الذعر والخوف لدى عدد من الدول العربية وعلى الأخص دول الجوار العراقي بالقول: أن الهزيمة العسكرية لقواتنا تعني فوز الإرهابيين، وأن خطر الإرهاب سوف ينتشر في المنطقة أكثر مما هو عليه الآن، وأن العديد من الخلايا النائمة أو التي استيقظت أخيراً ستشكل تهديداً لكثير من الأنظمة المجاورة للعراق.
وخلال انعقاد مؤتمر شرم الشيخ بدا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وكأنه في قفص اتهام لكثرة الانتقادات التي وجهت إليه من أكثر من جهة ومصدر، وكان رده التالي: «اننا نرفض منطق الوصاية والتفكير بالنيابة عنا مع احترامنا لمبدأ التشاور والحوار وتبادل الأفكار.. ونؤكد لكم أن العراقيين وحدهم هم القادرون على حل مشاكلهم بأنفسهم وليس بامكان أية قوة خارجية أن تقوم بهذا الدور».
إذا .. ردوا العراق للعراقيين.
هل من مشروع حرب جديدة في المنطقة كي تصح المراهنات والتوقعات مع وجود نائب الرئيس الأميركي بين ظهرانينا؟
خلال الساعات القليلة الماضية أدلى ديك تشيني بالتالي: أن واشنطن لن تسمح لإيران مطلقاً بامتلاك الأسلحة النووية. فهل تكون جولته الحالية تمهيداً لـ «تصرف ما» ضد إيران. يبقى على وجود الرئيس بوش في البيت الأبيض حوالي خمسة عشر شهراً، وطوال هذه الفترة سيبقى الوضع في المنطقة مفتوحاً على غير احتمال وفي أكثر من اتجاه وكلها من نوع التوتر العالي.