بلا شك هناك تأثير أكيد للثقافة الاجتماعية على الاقتصاد، ليس بوصفها حاضة على العمل والكسب والانتاج، لأن الحض على العمل والنشاط والاستيقاظ مبكرا لم يقدم للعمل بوصفه حالة تجديدية أية قيمة معاصرة، فالعمل هو حاجة فردية تنسجم مع الحاجة المجتمعية، أي انها مصلحة وليس مجرد رغبة، والتجديد فيها هو اتساق مع سوق العمل وسوق الانتاج، لذلك تبدو مسائل مثل المعرفة والدقة والمهارة والجمال عناصر اساسية في بنية العمل والعمال والسلعة الناتجة عنهما . ولذلك أيضا تبدو الموسيقا والمسرح والسينما والادب والشعر وغيرها عناصر اساسية في بنية تأهيل الناس المحتاجين للعمل افرادا وجماعة للقيام بالمهمة المطلوبة وتحقيق المصالح .
واليوم هناك علاقة أساسية وضرورية بين البطالة ومشاريع الاستثمار في البلد، فالمستثمرون يشتكون من ضحالة المعرفة لدى الأيدي العاملة (وهي من الاسباب الرئيسة لأستقدام الاستثمارات) على الرغم من محاولات التدريب والتأهيل، لكن أجواء الاستثمار وتقييمه من قبل المستثمرين قد ينذر بخطر الفرملة، خصوصا أن الاستثمار لن يتم في صناعات او مشاريع مكرورة أو تقليدية، فالمواد الأولية هي مواد حديثة وحداثية والآلات كذلك، وكذا المستهلك المتوقع، فالحدود التي يتوقعها المستثمر للأسواق يجب أن تكون متجاوزة للمحلية أي مفتوحة وهذا هو المطلوب أساسا من الاستثمارات، لتبدو مسألة البطالة كتحصيل حاصل خارج ثقافة حداثية تستطيع استيعاب التغيرات المطردة. في وقت تبدو ثقافتنا تكرارية تفضل العودة الى الماضي وامجاده بدلا من مواجهة استحقاقات الحداثة ، فشكوى المستثمرين هي شكوى موضوعية لأنها عملية وتعاني على أرض الواقع ، بينما الرد فهو نظريا وشعاراتيا ما ينبىء بالاصرار على الاستمرار بنمط تربوي ثقافي عقيم.
ربما اليوم ندفع ثمن غياب ادوات الثقافة المعاصرة العمومية أو ثمن رفضها حيث نبدو اننا نسير في اتجاه معاكس ، وربما كانت وزارة الثقافة هي المعني والمسؤول الأول والأخير ، نظرا رعايتها الثقافة النخبوية حيث تبدو كوزارة للمثقفين والنخبة منهم تحديدا هذا اولا . أما ثانيا فهي عزل ذاتها عن المشاريع والتطلعات المجتمعية مثل الاقتصاد والبيئة والتعليم ، وهذا في الحالين انعزال عن الثقافة بما تعنيه اجتماعيا .هذا الغياب عن استنباط وسائل التغلغل الاجتماعي للثقافة ، جعل من الفراغ الثقافي معضلة اقتصادية عملية وليست مجرد اختلاف وجهات نظر يتداولها مثقفون سلبا أو ايجابا . فالثقافة هي المحرك الاقتصادي الاول ، فالعامل الذي يستطيع أن ينتج بدقة وجمال وبكل طاقته هو العامل الحداثي الذي يستطيع ضمان نجاح الاستثمارات المحلية والمستوردة وذلك خضوعا لمصلحته المرتبطة حتما بمصلحة الجماعة والوزارة.