جاءت استقالة رياض نجيب الريس من مجلس امناء ( الجائزة العالمية !! ) أو ( بوكر العربية ) ايذانا للتحديق والتمحيص ليس في مسيرة ومسار الجوائز العربية الخيرية فقط ، بل بالانعطافة الأخيرة لما يمكن تسميته الثقافة العربية وربما الثقافة الناطقة بالعربية ، فنظرية المركز والأطراف لم تزل صالحة للاستثمار من خلال التسرب الانفرادي الى ساحة البترودولار ، تحت ظل شعارات كبيرة ومشاريع صغيرة تدور في فلك ثقافة التبادل البسيط للسلعة ، حيث ينجلي النقع عن تغسيل الموتى كفعل خيري مع عدم ضمان الجنة فلكل انسان حصة والباقي على الله ، فالفعل الثقافي في هكذا وقائع مرسون الى نوايا تهلل لها الميديا وهي في عز شبابها المفاجىء .
لا تعني استقالة الريس خروجه عن البنية المؤسسة لسلطة الجوائز في هذا الجزء من العالم ، فهي جزء حقيقي من ارتجالات اعتادت عليها المجتمعات العربية ، فجوائز تتصدر (هاي لايتس ) الميديا ومن ثم تتبخر او تتراجع بسبب ضعفها المؤسسي لتبق الجائزة المالية وحواشيها ترطن كانجاز واقعي يصم الآذان عن معنى الجوائز من نواحي الاستمرار والأختصاصية ، لتتحول المسألة برمتها من تقدير الى تشجيع ، وما على التشجيع من تثريب لأنه يضمر الخير الذي يتجاوز كل عقلانيات المسألة بتبويس الشوارب .
هبطت علينا الجائزة المذكورة في مواربة و ( لهوجة ) ساقتنا جميعا تجاه الفخر بالمنجز ..كيف لا وهي ( بوكر ) التي اضطرت تحت ضغط ( الانجاز) العربي أن تفرد مكانا خاصا للرواية العربية ، أي انها اضطرت للاعتراف بنا نحن المتشكون دوما من التجاهل ، وبوكر هي بوكر العالمية المعروفة التي تمنح جوائز على قدر كبير من المصداقية لما تتصف به مؤسستها ( مؤسسة الجائزة ) من الجدية في المعايير لشأن يخصها أو يخص مجتمعاتها أو حتى المساهمين بها ، وهنا يكمن الوهم الذي فضحه الريس باستقالته ، بحيث توهمنا أن هذه المعايير القاسية سوف تطبق بين ظهرانينا ولكن وبتغيير بسيط اكتشفنا ان الجائزة ليست (بوكر ) وانما ( الجائزة العالمية للرواية ) وليس لبوكر فيها الا لحسة اصبعا من خلال رعاية استثمارية ما ولكن الجائزة نفسها ليست بوكر أي انها بروباغندا تشارك فيها بوكر ويشارك فيها ناشرون عرب على حساب تحويل الأطراف الى مركز بطريقة الفهلوة الخيرية التي تبيع الترمواي لأول متلهف .
اذا هي ليست بوكر ... ومجلس الأمناء ولجنة التحكيم ، ليسا نسخة معايرة عن لجان بوكر وبوكر نفسها ليست مسؤولة عن الأداء ، لا كشركة راعية ولا كشركة باعت براءة الأختراع ، وحسب تبرير الريس لاستقالته ( بالاضافة الى رأي صموئيل شمعون في شرحه لقبول رئاسة لجنة التحكيم للدورة الاولى ) سيقت الناس لتمارس دورا هو من خارج الدور الحقيقي لها ، مقابل اضافة سطر الى السي في ( حسب شمعون ) أو الحصول على 70 الف دولار ( اكثر من قيمة الجائزة ) مقابل خدمات ادارية ، أو لممارسة دور اكتشف الريس انه ليس موجودا الا بقدر البريستج المتوقع من أوهام نتغاضى دوما عنها دوما لصالح العمل ( الخيري ) .
للمرة الثانية تفوز ( دار الشروق ـ القاهرة ) بجائزة ( بوكر ) او ( الجائزة العالمية للرواية ) أو ( الخ ) عن رواية (عزازيل ) التي ما أن صدرت النتائج حتى تردد انها منسوخة أو ليست أصلية ، ومع هذا لم تنوه لجنة التحكيم لما يمكن أن يحصل ما يفضح المحدودية المعرفية لهذه اللجنة التي اختارها مجلس الأمناء الذي قال عنه الريس أن لا دور له اذا المسألة خرجت عن المعايير الأدبية هذه المرة ، فاللجنة مسؤولة عن اضطلاع على ما يحيط بالرواية من نقد وحتى أقاويل قد تأخذ او لا تأخذ بها ولكنها مسؤولة أمام ضميرها أو شرفها الثقافي في حال صحت الأقاويل أو الانتقادات ،و اذا تجاهلنا الصراع (الديموقراطي ) للحصول على الجائزة بين اصحاب دور النشر ، حيث يبدو أن تثقيل العلاقات له دور اساسي في الحصول عليها ، لتظهر الجائزة كأستثمار تكتيكي بسيط لعدد محدود من أصحاب العلاقات الذين أمنوا قيمة الجوائز والمصاريف عبر وجاهاتهم الثقافية ، مع أن الجائزة اذا كانت تريد أن تنحو منحى بوكر فيجب على الناشرين ودور النشر تمويلها بالكامل .
مرة أخرى نقع في ذات أخطائنا متوهمين أن الميديا ستستر العيوب ، وذلك عندما نمارس أمرا دون الألتزام بثقافته ( تماما كما اقتناؤنا لسيارة دون الألتزام بأنظمة السير ) ، ولكن في المقام الأخير تدفع الغاية نفسها الثمن ،ان كان على صعيدها كقيمة هي أو كان على صعيد المستفيد الأخير الذي هو الناس كمستفيدين من الحصول على سلعة معايرة بشكل راق ، الناس الذين نبيع ونشتري بمصالحهم مستغلين الثقة بنا ... لذلك يحق لنا التساؤل .... هل هي جائزة ( وغيرها ) بالمعنى المقصود للكلمة ؟ .