المشكلة في نهاية العام أننا نستعيد القدرة على تمييز الزمن، فمادام هناك "رقم" سيتغير فإن حالة الوعي ربما تصبح أكثر وضوحا، فالأيام التي تتهاوى أمامنا تدفعنا إلى النظر سريعا باتجاه الأمام أحيانا وعلى الأغلب نحو الوراء، لأن الإحساس بالزمن يجعلنا نستحضر "ذكرياتنا" أكثر من كونه يدفعنا للتفكير بالمستقبل؟ فهل عقولنا تعود بحكم البيولوجية نحو الماضي؟

أترك السؤال للباحثين في علوم الأحياء، لأن ما يهمني في الأيام المتبقية هو حالة الشعور الذي يتركه الزمن سريعا على وجوهنا، فغالبا ما نشعر بأن من يشاركنا الحياة سيترك بعضا منه في الماضي بمجرد الانتقال لعام جديد، فنحاول أن نحفظ الوجوه أكثر، وأن نحتفظ بملامح من حولنا كي تنغرس في داخلنا، أو هذا على الأقل ما أقوم به، فلا أراجع الماضي أو أتوجه للمستقبل بقدر محاولتي الغوص أكثر في الحاضر، وكأنني أمام تحول يتكرر كل عام.

في تلك الصورة لانهيار الأيام سريعا ينتفي الزمن بمعناه الأدبي، وتبقى المشاهد فقط متجمدة أو واقفة وأحاول أن أحصرها في "إطار" واحد، لكنني بالطبع أفشل لأنها أوسع من أي مشهد بانورامي مألوف، فهناك الكثير من عمليات التجميع التي يمكن أن أقوم بها، ابتداء من تفاصيل النظرات التي ألتقي بها، وانتهاء بمعايشة حركة الحياة التي عليها أن تلتزم بـ"الزمن" بشكل دقيق.

عندما يهرب الزمن من الصعب أن نطارده، لأنه يسحبنا معه ونعي بأن ما يحدث هو حالة نادرة من "الإدراك" بأن الحياة هي "تجميع" للحظات متفرقة ولأسماء تمر بنا ويصعب أن تغادرنا، لكن الزمن يجبرنا على كسر القواعد فنتركها وراءنا ونحن نعرف حجم الإحباط أو الألم الذي تتركه هذه العملية، فماذا نفعل في هذه المواجهة؟

شخصيا أنا أبتسم لأنني لا أملك أي وسيلة أخرى، وفي المقابل أحاول العثور على أسماء جديدة قبل أن يغادرني العام وكأنه ومضة.. أسماء لمدن أو أشخاص، وصور أضمها وأتركها، وأسمح لمساحة الشعور ببلوغ الحد الأقصى الذي يكسر القلب أو يعيد رسمه من جديد، فالمسألة مجرد تجربة علينا أن نخلقها كل عام، ونبنيها ربما بالخيال أو الكلمات أو حتى القبلات، فالزمن يتيح لنا قضاء مرحلة مغادرته كي نعبث بأحلامنا وربما ابداعنا حتى نصل به إلى فضاء مختلف فيه من الألوان ما هو "متخيل" أو مخلوق لعيون منتشرة على مساحة أجسادنا لكننا لا نلحظها.

يهرب الزمن ونلعب في مرحلة من خيالنا لكنها المساحة الأكثر جمالا وربما الأوسع لأنها تتركنا ننحت حلمنا كما نشاء.