الكاتب : نجيب نصير
ربما هو من الأسرار الكبرى، أو حتى من المتوهمات الكبرى أن نحاول الإجابة على سؤال الى أين نحن ذاهبون، خصوصا في ظلال خبرة الثقافة الاجتماعية التي لم تعتد على السؤال، بل طالما انتظرت إجابات (ربما مسبقة) تختصر الألوان والدروب في إصطفافات تفتقد الى التفاعل أو النقاش، وبالتالي الرؤية المتبصرة لأمور سوف تندرج في الجينات الثقافية عبر تراكم الزمن، حيث يبدو الماضي القريب والبعيد مراوحا في مكانه يغذي السكونية والحركة معا، تماما كما حرب البسوس، حيث تنطلي حجة الزير على القبائل، بطلبه أن يعود كليب حيا، تعبيرا عن معضلة وجودية لا يمكن الحراك ضمنها أوبها دون التسليم بقضاء كليب لنحبه.
في هذا الحدث السوري لم تعدو الرؤية مطلبا ملحا فقط، فالمستقبل وعلى الرغم من أعباء الماضي سوف يأتي وعلينا التفكير به والعمل له، مع معرفتنا الأكيدة بأخطائنا التي (قتلت كليبا)، ففي المجتمعات لا يمكن التوقف عند لحظة الإصلاح أو الصلح فهي إجرائية قلبا وقالبا، وكن التعويل هو على نتائج الإصلاح والتي تحتاج الى إيغال في تصور المستقبل .
ثقافيا لا يمكن الاعتماد على الاستحضار، إلا من باب تجاوز الأخطاء والخطايا، فالتجارب لا تعلم النجاحات بقدر ما تعلم عدم الانحدار نحو الأخطاء، كي لا يقتل كليب مرة أخرى، حتى لا تتم المطالبة به حيا. حيث لا تبدو ثقافة احتراق الأصابع صالحة للتكرار إذا ما تحول كل شيء الى نار أو هشيم .
اليوم نحن بحاجة الى ثقافة مجتمعية جديدة تقيم قطعا مع السابق، فالإنجاز الثقافي في هذا العالم تجاوز بأشواط بعيدة مشارف الثقافة المتداولة التي أثبتت عقم أداءها، إن كان بالعلاقة مع القانون أو كان بالعلاقة مع الإنتاج الإبداعي، ليظهر أن الوجدان المجتمعي حبيس أقفاص هذه الثقافة التي لم تهتدي بعد الى قناعة أن المستقبل قادم وهو مرهون في أدائنا الثقافي الحالي.
كليب ليس حيا ولن يعود حيا، وعليه فإن على الثقافة المجتمعية أن تؤسس لعيش على هذا الأساس، وربما يكون من الأفضل الاعتماد على أن كليب ليس له أهمية إن وجود وإن لم يوجد .