في دمشق نعانق الأيام صعبة كما عانقناها سابقا، ونحلم بزمن جديد، فتسقط عند أحلامنا كل التقارير والتحليلات والتصريحات الصحفية، ويغيب من أمامنا مداولات مجلس الأمن وجولات نبيل العربي
بكل المقاييس هي أيام صعبة ومهما كانت المواقف فإن الشد العصبي وصل إلى ذروته، فسورية في النهاية ليست مجرد كلمات نخطها بل فيض يجتاحنا في كل لحظة، والوطن الذي يظهر أغنية في بث إذاعي وشريط مصور في محطة فضائية هو كل تلك الوجوه التي نصادفها صباحا، وهي أيضا أشخاص يملكون أحلامهم وآمالهم، ويفرحون ويحزنون ويتشاركون في هذا القلق المعلق على رقابنا.
في دمشق نعانق الأيام صعبة كما عانقناها سابقا، ونحلم بزمن جديد، فتسقط عند أحلامنا كل التقارير والتحليلات والتصريحات الصحفية، ويغيب من أمامنا مداولات مجلس الأمن وجولات نبيل العربي ورعونة السياسات في التحكم ببلد هو في النهاية مجتمع يريد أن يعيش كما الآخرين، حتى ولو ضاق طموحه بأسر جغرافيته، فالأيام الصعبة تعلمنا أن الحياة في النهاية جدل يجب أن لا يستمر طويلا لأنه يعرقل مسيرة الحياة، وصراع فكري بالدرجة الأولى عليه أن يدفعنا للإمام، لا أن يتركنا عند حدود مجلس الأمن.
في دمشق وحمص وحما ة وحلب، وفي طرطوس وجبلة واللاذقية، وفي المحافظات الشرقية التي تمر عليها مذيعة النشرة الجوية، وفي كل الأماكن التي يضيق المكان بذكرها هناك "عشق" مكبوت اليوم لزمن جديد، ولوجه صبية تنظر من تحب أو لأم يجافيها النوم وهي تفكر بابنها، فالأيام الصعبة ليست بالضرورة حربا مع "إسرائيل" كما عهدتها الأجيال السابقة، لأن هناك من ابتكر حروبا على قياس الحارات والأزقة، وهناك من أراد تشكيل سورية على مقاسه الخاص، فالحرب هي في النهاية ضد التشتت الذي أصبح هاجس السوريين وهم ينظرون للمستقبل.
البعض يطالب بدخول الجيش وبالحسم الأمني، وآخرون يحلمون بالتربع على السلطة بشرعية مجلس الأمن، أما أنا فأريد المطالبة بعشق يعانق الجميع كحل قادر على جعلنا نبتسم ونحن نتذكر الأيام التي نعيشها، فندرك أن المسألة ربما تكون أعقد من "حل أمني" أو من سياسة التصريحات وإيجاد أحزاب على قياس الزمن الحالي.
أريد التحلي برومانسية لم أعرفها سابقا، فهي ستخرجني من هطل "الفضائيات" على قلوبنا، فأتعمد بوجوه الناس مهما كانت مواقفهم ثم أقف لأجعل الوطن رداءا لنا.... رومانسية زمن القلق لكسر حدة الأيام الصعبة وللكتابة على قلوبنا بأننا في النهاية نملك مصيرا متوترا بشكل دائم، ونملك رموزا قادرة على دفعنا للعشق حتى الثمالة...
سورية في الأيام الصعبة تصبح أجمل... سورية بالعيون القلقة تصبح قصيدة لا تنتهي ولحنا ينقلنا من قرية لأخرى فنعرف أن التعب يتحول لحنين والقلق لشغف وهوى يذيبنا بأرض قدرها ملتصق بنا... وهواها يقتلنا...
والمجد لسورية...