هي فصول رواية لم تبدأ بفورة نفطية، ولا حتى بفورة دم قديمة تحرق صاحبها، لكننا على ما يبدو أمام "كوميديا" سياسية،
سفراء يخرجون ومراقبون يغادرون وملامح الخليج تكتب في أرض سورية كلمات منتهية وحروف فوضوية، فما يحدث يكسر عمليا صورا قديمة لكنها بالتأكيد لن تلامس ملامح البشر الذين يعيشون على إيقاع الحدث، ويعرفون أن "صراع الإرادات" بات يكتب في مساحة "الإيحاء" و "الوهم" والمؤشرات، فدول الخليج لم تكن يوما إلا "ظلا" نفطيا، وهي لا تنسحب من الحدث السوري بل تريد سحبه باتجاهها.
هي فصول رواية لم تبدأ بفورة نفطية، ولا حتى بفورة دم قديمة تحرق صاحبها، لكننا على ما يبدو أمام "كوميديا" سياسية، واختبارات يتطوع البعض لتنفيذها، فسحب السفراء تم قبل أكثر من ستة أشهر، وبومها كان الفراغ السياسي يعم سورية التي بدأت تفهم طبيعة "الفورة" التي عاشتها منذ آذار من العام الماضي... وسحب السفراء كان إيحاء لفوضى يمكن أن تحدث، أما اليوم فهو أيضا "اختبار" يريد البعض لدول الخليج أن تخوضه ربما قبل اجتماع مجلس الجامعة العربية، وربما لرسم ملامح غامضة أمام السوريون أنفسهم، إلا أن السوريون ودون رهانات مسبقة ربما يدركون أن "الحدث" الذي يجتاحهم بالتأكيد هو أقوى من حكومات بعينها، ومن "عنتريات" تظهر في المكان الغلط، ومن ارتجاج العمائم وقرقعة البطون أمام المناسف، فالحدث في النهاية لا تقرره دول النفط إلا بقدرتها على اختراق مساحات أو الإيحاء بأنها صاحبة الحظوة داخل المجتمع الدولي.
فصول الرواية أيضا يكتبها محبو "الأغاني الخليجية" التي اقتحمت مساحة الفضائيات، فنحن لدينا العربية والجزيرة وروتانا، وكل هذا الهجوم يوضح أن السياسة في مكان آخر وهي لا يمكن أن تقف يوما وسط عواصف الرمل، وربما أتجرأ على التراث قليلا لأن خروج الرسالة من مكة نحو دمشق أنهى حقبة قصيرة من "السياسة" في بداية الإسلام كدولة، فالسياسة أرض خاصة، ولها أيضا رجال وجمهور وأحزاب ومؤسسات، وهي لا يمكن أن تظهر على مساحة النزاعات القبلية وصراع الأفخاذ والبطون، وهي في النهاية لن تكون معلقة لزهير بن أبي سلمى على جدار الكعبة، فكل الروايات لم تكتب أو توثق إلا في مدن الحضارة.
هل دخلنا في النرجسية؟ ربما!! لكن الألم يبدأ من لحظة بحث أمير عن مساحة أوسع فيكتشف في النهاية أن فتوحاته هي معارك بالنيابة وأنه أخطأ الاتجاه وأن الحضارات ربما تخبو لكنها تملك "الحس" لتعود من جديد.
ينسحب السفراء وهم أساسا منسحبون من الحياة والتاريخ... ويترك المراقبون فنادقهم ودمشق ليست وحيدة ففيها من تنوع الحياة ما يكفي كي تبقى في مساحة الله وفي رائحة التاريخ المرسوم في كل مكان، وفي أفق المستقبل الذي يرسم على أراضيها، ودمشق ستعود بعد أشهر أو سنوات لتشاهد الجلابيب البيضاء تدخل إليها وترحل ولكنها تبقى مرتسمة في مساحة الغد القادم.
أرحلوا أو ابقوا فإننا نملك على الأقل حرية التعبير عن كل التناقضات التي نملكها، ونرسم بكل الألوان الفاقعة لوحة مختلفة في تاريخ الشرق الأوسط.