إننا في النهاية أمام مؤتمرات تشتيت، ووجوه متناقضة تتصارع في عواصم لا يحلم معظم السوريون السفر إليها
ما بين جنيف وباريس تظهر القضية وكأنها ملامح مرسومة على الهواء، فصراع القوى السياسية لا يمثلني، ولا يشكل لي سوى عبثية الحديث عن خيال مضى وتبدد أما قسوة نواجهها يوميا، ومن يسعى لرسم ملامح السوري داخل أروقة المؤتمرات ربما سيدرك متأخرا أن امتلاك القوة هو عمل تراكمي لا يتم بناؤه من شعارات تحتاج لمساحة أخرى لا تملكها سورية اليوم.
إننا في النهاية أمام مؤتمرات تشتيت، ووجوه متناقضة تتصارع في عواصم لا يحلم معظم السوريون السفر إليها ، وعندما يُدهشنا البعض بالوقوف أمام العدسات ليتحدث عن دعم "المال والسلاح" لتدمير ما تبقى من الدولة، فإن الأضواء تنتقل بنا وبشكل مفاجئ نحو جنيف لتطرح أسئلة حول حجم المال السياسي المهدور على هامش الأزمة في سورية، فهل يمكن أن نجعل عواصم العالم محطات للتبديد ما تبقى من حلم الديمقراطية، وهل يمكن لحقوق الإنسان أن تتبلور وسط الهدوء السويسري، أو في صورة وزير الخارجية الفرنسي وهو يضم أشلاء متملقين سابقين عجزوا عن رسم ملامح لهم داخل التحولات السورية؟!
في سورية كل الاحتمالات ممكنة، وفيها "طيف مؤتمرات" بدلا من طيف المعارضة، فكل ما يمر أمامنا اليوم هو مجرد مشهد سينتهي في لحظة إغلاق الستارة، وكأننا أمام عنف يتم تركيبه على ظلال سياسية كان من الصعب الوثوق بها، وإذا منحها البعض شرعية الظهور فلأنه يدرك أن سورية تحتاج للحظات قاسية كي يستطيع "البعض" النفاذ إليها.
منذ عامين تبلورت ظاهرة غير مسبوقة، يسميها المجتمعون في جنيف "ثورة"، ويتفق من التقى في باريس على نفس التسمية، ولكن على ما يبدو أن التوافق لا يعني أي شيء سوى رفع حدة التنافس بين النشطاء لاقتناص فرصة الظهور وتأسيس "علاقات عامة" على مستوى الدوائر السياسية في العالم... ومنذ عامين أيضا كانت الحملات الإعلامية تُظهر طرفين: شياطبن وملائكة... نظام سياسي ومعارضة... استبداد يسحق الديمقراطية... فهل تبين لنا أن "لا أطراف" في هذه الظاهرة؟ وهل هناك تمييز على مساحة سورية بين متنازعين على مستوى "ثورة" كما درسناها على الأقل في المناهج الأكاديمية؟
لا أحد يستطيع في هذه اللحظة إطلاق أحكام "قيمية" على أي طرف، لأن تلك الظاهرة التي اجاحتنا قبل عامين أكدت أن هناك هوس دولي في كسر مفاتيح التعامل مع ما حدث، فالشياطين يتربصون بالجميع على ما يبدو، والسياسة تتشكل في شفتين يتدلى منهما الكلام منذ عامين وحتى اليوم، ويتدحرج السوريون على شريط الحروف الطويل محاولين كسر هذه السلسلة من المواقف والتحليلات والتصريحات والوقوف أمام السياسين من كل أصقاع الأرض، وفي النهاية ليس هناك سو "الارتطام" بأرض ربما تنعش رائحتها الذاكرة، فهل ننتظر الارتطام؟
في جنيف وباريس مذبح للحلم الذي اعتنقه البعض، والمؤتمرات التي تظهر وتختفي مثل الوهم لن تمثل سوى الوجوه الصفراء التي سرقت منا متعة البحث عن "أرض الحرية" واستراحت على ضفاف بحيرة ليمان، أو في سان جيرمان حيث المتعة قادرة على كسر أمل.