نحن أمام الخوف من تحول لم يقم أحد برسمه، وربما توقعه البعض أو انتظره، لكنه يتأسس على قاعدة إزاحة الماضي فقط، أما المستقبل فسيترتب دون إرادة جامعة ودون إبداع في طريقة الانتقال من زمن لآخر
كنا نخاف اللحظات القادمة، ونستحضر الهواجس التي طوقتنا على امتداد سنوات طويلة، وشكلتنا الأزمة على ايقاعها من البداية، فمسألة الدم لم تكن سوى المظهر الذي أوضح أننا نستحضر الهواجس، وأن أي قادم هو أمر غير محسوب، فالحدث كان يريد وضع الاحتمالات التي بدت وكأنها حالات طارئة يصعب التعامل معها.
وكان الخوف سيد الرؤية التي نحاول رسمها، ففي اللحظة التي قرر فيها البعض، مهما كان تعدادهم، الدخول في المغامرة، كنا نقف على اعتاب المجهول ولا نملك أي سلاح للقادم، فلا معرفة تضع أمامنا ما يمكن أن يحدث، ولا بصيرة ترسم لنا ماذا يريد الآخرون أن يحققوا داخل مسار الأزمة، وربما كانت القناعة أن اللحظة الراهنة هي سيدة كل شيء، فاجتاحنا الرعب ليضعنا عند نقطة واحدة.
نحن أمام الخوف من تحول لم يقم أحد برسمه، وربما توقعه البعض أو انتظره، لكنه يتأسس على قاعدة إزاحة الماضي فقط، أما المستقبل فسيترتب دون إرادة جامعة ودون إبداع في طريقة الانتقال من زمن لآخر، فحققنا قفزتنا الزمانية ولكننا مازلنا نهوي فلا نستطيع تمييز الزمن الجديد أو الصور القادمة أو حتى الأفق الذي ننجذب نحوه.
ما يجعلنا أخاف هو قدرة البعض على الانزياح وفق المزاج السياسي، فيكفيني أن أقرأ تتابع التصريحات لأعرف أن السواد الأعظم ممن يتوهمون بأنهم "الفاعلون" بأزمتنا غير قادرين على تحيد مسارات الزمن القادم، وربما يكتفي البعض بتلمس "البرنامج" الذي يطرحه وكأنه البوابة الأخيرة، ولكننا لا نعرف موضعا لتلك "اليوابة"، فهل يكفي أن نتسلح بنظرية ثابتة لزمن على ما يبدو أن يحقق قوانين الفيزياء في الانحناء والتموج والتقلص؟!
من حقي أن أخاف، وأن أدين كل من منح الشرعية لما يحدث دون أن يملك على الأقل نافذة ترينا المستقبل ولو كحلم لازوردي، ومن حق الجميع أن يصطف ليرثي نخبا تورطت بالحدث على اختلاف مواقعها، وهي لا تعرف المسار الذي سيوصلها لنهاية المتاهة، ومن حق الجميع أيضا أن يرفضوا كل الوجوه التي انتظرت الآخرين كي يضعوا لها اليقين بحتمية انتهاء الأزمة المستمرة منذ عامين.
أخاف لأن جميع الأطراف بدؤوا يقرون اليوم بعبثية ما جرى، وهم الذين اعتقدوا أنهم يقودون ثورة أو يصدون مؤامرة، فهل باستطاعتي منح الثقة لهم كي نخرج اليوم إلى مساحة جديدة؟! فما أراه هو حبكة لرواية وضِعت من أجل المراهقين، وهواة التجوال والندب والبكاء، وكتبت أيضا بفصول الإثارة المعتادة لترسم شخصيات شياطين وملائكة وتجعل من الخيال السردي رعبا يوميا يجر الوطن نحو الهواية.
اليوم بالذات يتطاول الخوف لأن ما جرى خلال أيام يوضح أن "النخب" التي نصبت نفسها "واليا" على العباد، وتوسلت شرعيتها من عواصم العالم، ترتحل من جديد في جولة عبثية وتبني أمجاد من "العقلانية" بعد أن تلونت سورية بالأحمر القاني.... ألا تستحق هذه الصورة الخوف؟!