في موسكو ترى الانتليجنسيا والنخب المقربة من الغرب ان الحرب في سوريا كما لو انها نزاع بعيد وان الكرملين قد ورط البلاد والتزم الجانب السيء للاحتفاظ بقاعدة بحرية لا فائدة لها في طرطوس.
وبخلاف ذلك فإن فلاديمير بوتين يرى في هذه الحرب كمرحلة من مراحل (عقيدة برزنسكي) يرى فيها مواجهة بدأت عام ١٩٧٩ بين تحالف غربي -اسلامي ضد الاتحاد السفياتي السابق وبعده روسيا الاتحادية.
وبالنسبة للكرملين فلا شك ان"الجهاديين" الذين تدربوا في الشرق الاوسط سيتابعون أعمالهم التدميرية في الشيشان وانغوشيا وداغستان. ومن وجهة النظر هذه فإن سقوط سوريا سيتبعه مباشرة متابعة تأزيم القوقاز الروسي. من هنا فإن دعم الجمهورية العربية السورية ليس ترفا لكنه واجب الزامي للأمن الوطني.
من هنا فإن الموقف الرسي تجاه الأزمة السورية لن يكون الا أقوى وأصلب. رغم انني خلال زيارتي لموسكو ولقاءاتي العديد من القادة الروس سمعت الكثير من الانتقادات.
اولا- موسكو لا تفهم لماذا لم تباشر دمشق بأي حركة قضائية ودبلوماسية لتأكيد حقوقها القانونية. فالدبلوماسية السورية تضع نفسها دائما في موقع الدفاع عندما يتم الهجوم عليها في مجلس حقوق الانسان في جنيف ولا تدافع عن صورتها. فهي تستطيع بسهولة تغيير هذا الاتجاه باقامة دعوى ضد المعتدين أمام محكمة العدل الدولية كما فعلت وبنجاح نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأميريكة. بالتأكيد المهم ليس الحصول على حكم ادانة ضد فرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، فإن ذلك يستلزم اعواما ولكن ذلك يسمح بقلب المعادلة في مجلس الأمن.
تقديم مثل هذه الدعوى القضائية يجب ان يستتبع برسالة إلى مجلس الأمن يأكد حق سوريا في الدفاع عن نفسها ضد المعتدين. وهذه الرسالة تفتح الطريق أمام السوريين بالقيام بمبادرات دفاعية عن وطنهم وحتى بحركات مسلحة من لندن إلى الدوحة.
ثانيا- العديد من مساعدي الرئيس فلاديمير بوتين باتوا من عشاق الرئيس بشار الأسد الذين يرون فيه رجل المرحلة. وليس هناك أدنى شك أن الكرملين الذي يقدر عاليا سلطته التي هي في نفس الوقت شرعية ومشروعة سوف يدعمونه حتى نهاية ولايته. لكن القيادات الروسية تتساءل حول ما اذا كان الرئيس بشار الأسد يرغب ويريد الاستمرار في الحكم بعد انتهاء ولايته الدستورية. ولكنهم لاحظوا أنه رغم دعواتهم المتتاليه له لم يعرض بعد برنامجه السياسي حول مستقبل البلاد. فحتى اليوم فإن القيادات الروسية تجهل خيارات الرئيس الأسد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الشؤون. لكنهم يرون بالرئيس بشار الأسد ضمانا لمجتمع متعدد متسامح وعصري لكنهم يشكون في نيته الذهاب ابعد من ذلك ولا حول نيته وارادته ان يكون هو من سيعيد بناء البلاد بعد عودة السلام إلى سوريا.
ثالثا- وأخيرا فإن الكرملين الذي يثق جدا بالجيش العربي السوري وفي قوات الدفاع الوطني، فإنه يبدي عدة ملاحظات أولها أن هذا الجيش لم يخسر أي معركة في مواجهة "الجهاديين" وأن هؤلاء قد سيطروا على بعض المواقع دون قتال كما حصل في الرقة. وبالنتيجة فإن الدولة السورية تستطيع الصمود وانهاء الامور مهما كلف الأمر ومهما طال الزمن وحتى الوصول إلى الحل السياسي الاقليمي والدولي لكنه ليس محميا كفاية من مفاعيل خيانات فردية.
لهذا تبدو القيادات الروسية مستاءة من نقص في التدابير الأمنية المحيطة بالرئيس بشار الأسد والتي لاحظوها خلال لقاء مع الرئيس بشار الأسد مع وفد منهم، حيث احتفظ احد افراد الوفد بهاتفه الخليوي طيلة اللقاء وقد رن الهاتف مرتين خلال اللقاء دون أن يتدخل الرجال المولجون بأمن الرئيس. لكنهم يعرفون أن الأمن الرئاسي السوري احبط عدة محاولات اغتيال للرئيس دبرتها اجهزة دول كبرى عضو في حلف شمال الأطلسي. من هنا تجد لدى بعض القيادات الروسية تطالب بالمزيد من الحرص على سلامة الرئيس بشار الأسد وأمنه.