تييري ميسان, الذي كان أول من أعلن عن تعيين ممكن لتشاك هاغل على رأس وزارة الدفاع, يتساءل الآن عن الأسباب التي أدت إلى اقالته. يبج عدم البحث عنها في أفعال الوزير. بل في تغير سياسة الرئيس.
علاوة على ذلك, يلاحظ عدم وجود سياسة محددة لواشنطن, وأن إدارة أوباما تقوم بأفعال متناقضة بشكل خطير.
بات واضحاً أن إدارة أوباما قد فقدت تماماً البوصلة التي تساعدها على تحديد سياسات أمنها القومي.
في شهر أيار 2013، أوقف البيت الأبيض أنشطة المجلس الاستشاري الاستخباراتي التابع للرئاسة دون أن يجدد له، وتخلى هذا الأسبوع عن تشاك هاغل، أكثر وزراء الدفاع وفاء. والأهم من كل ذلك، استمرار البيت الأبيض بتأجيل الإعلان عن العقيدة الجديدة للأمن القومي التي تفرض عليه، طبقاً للقوانين النافذة، تقديمها للكونغرس منذ سبعة أشهر.
إذا افترضنا وجود توجيهات واضحة تتعلق بتنفيذ أهداف على المدى الطويل (منع التنمية الاقتصادية لروسيا والصين) وإمكانات بلوغها (تحريك القوات المتموضعة في أوروبا والخليج نحو الشرق الأقصى)، إلا أن أحداً لا يعرف الأهداف المثبتة إزاء العالم العربي.
في الوقت الحالي، جزء من جهاز الدولة الأميركية يقاتل الدولة الإسلامية، في حين يدعمها جزء آخر من جهاز الدولة نفسها، ويحارب معها الجمهورية العربية السورية.
تشاك هاغل، الذي طلب، برسالة خطية، من مستشارة الأمن القومي للبيت الأبيض «توضيحاً»، لم يهمل طلبه فحسب، بل تمت إقالته دون ذكر أسباب.
حملت الصحف المتخصصة شخص وزير الدفاع المنتهية ولايته، صفات أقل ما يقال فيها إنها غريبة. انطلقت من الاعتراف بنزاهته-وهي من الصفات النادرة جداً في واشنطن- لتصل إلى لومه على عدم القيام بأشياء مهمة.
غير أن الدور الذي رسم له وقت تعيينه، كان يتمحور تحديداً في عدم شن حروب جديدة، والعمل على إصلاح وزارة الدفاع التي شرع فعلاً بإصلاحها. وكان من أولويات عملياته قطع كل الجسور بين القوات الأميركية والجيش الإسرائيلي، ثم أعقبها بتخفيضات هائلة في موازنة الدفاع.
لم يتوقف الهجوم عليه طوال ولايته من طرف المؤيدين لإسرائيل والمحافظين الجدد، ومنظمات المثليين التابعة لهم.
يعود الارتباك الذي يحوط السياسة الأميركية إزاء العالم العربي إلى أواسط عام 2012.
في تلك الأثناء، حاولت وزيرة الخارجية ومدير (سي. آي. ايه) ديفيد بترايوس توظيف حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لدعم الحرب الثانية على سورية، لكن عبر فرنسا وقطر هذه المرة.
بعد إعادة انتخابه رئيساً، عمد أوباما على الفور إلى طرد «معاونيه»، وعين إدارة جديدة مهمتها صنع السلام في سورية. لكن، لوحظ بعد مضي شهور أن سياسة الثنائي كلينتون – بترايوس لا تزال مستمرة رغماً عن البيت الأبيض وضد وزارة الدفاع.
من الواضح أن الرئيس أوباما لم يعد سيد المكان مثلما كان عليه الحال بالنسبة لسلفه جورج دبليو بوش، وأن كل ما يجري يوحي بأنه يلجأ تدريجياً إلى اتباع سياسة سرية داخل الإدارة الخاصة به.
وهكذا، فإن الرجل الذي كان قد أعلن عن نهاية الردع النووي، والحرب في أفغانستان والعراق، والتخلي عن الحرب ضد الإرهاب، ماض الآن في فعل العكس تماماً: العمل على تحديث وتطوير الأسلحة النووية، وإرسال جنود إلى أفغانستان والعراق، وإعادة إطلاق تصور بالٍ ومبتذل للحرب على الإرهاب.
طرد الوزير تشاك هاغل، لم يأت عقاباً له على فعل، بل نتيجة لتغير الرئيس أوباما نفسه.