ناقش مجلس الأمن في 27 أيار-مايو الماضي مسألة حماية الصحفيين في مناطق القتال, واعتمد القرار 2222.
وبما أن كل سفير حاول بطبيعة الحال أن يشد الصحافة إلى جانبه, فاحتفى بالدور الذي تلعبه لصالح السلام, وندد بالدول التي لاتقدم الحماية للصحفيين.
مع ذلك, كلنا نعرف أن مهنة الصحافة تعرضت في أيامنا للانحراف من قبل حلف شمال الأطلسي, وأن وحدة العمليات النفسية في جيش الولايات المتحدة متواجدة في هيئة تحرير محطة سي.ان.ان, وأن وسائل الاعلام تشارك منذ حقبة دونالد رامسفلد باجتماعات قيادة الأركان في وزارة الدفاع, بوصفها وحدات مقاتلة.
انشاء قنوات اخبارية عامة تبث بشكل مستمر منذ عام 1989, غطى على كل المسارات. ولأن سي.ان.ان لاتعتبر نفسها قناة تلفزيونية أمريكية, بل عالمية, فهي تزعم عدم تبعيتها للولايات المتحدة, وبالتالي تطرح نفسها كصاحبة رؤية محايدة. نعرف جيدا بأن هذا غيرصحيح. لأن سي.ان.ان ومستنسخاتها (الجزيرة, بي.بي.سي وورلد, وفرنسا24, الخ) هي في خدمة أجندة حلف شمال الأطلسي.
بالمقابل, تم ايهامنا بأن البث المباشر ضمانة لعدم التلاعب بالصور. لكن ماحصل هو العكس تماما, من خلال مقاطع فيديو مسجلة مسبقا في استوديوهات تابعة لحلف شمال الأطلسي, ومنشورة كصور اخبار.
وماكان يعرضه باري ليفنسون عام 1997 في فيلمه "ويغ ذا دوغ " أصبح ممارسة شائعة. ولازلنا نتذكر جميعا مقاطع الفيديو عن مظاهرات وهمية في درعا, وحمص, وأماكن أخرى.
مع مرور الوقت, تشكلت طبقة من المراسلين الحربيين. المئات منهم كانوا متواجدين في البوسنة, والعراق, وأفغانستان, وفي العراق مرة أخرى, ومن ثم في ليبيا.
تدريجيا, أصبح هؤلاء " الزملاء" عملاء للاستخبارات العسكرية وفقا لاعتراف الجنرال بوشار بعد نهاية الحرب على ليبيا : ليتمكن من تقييم فعالية القصف الذي كان يقوم به, كان حلف شمال الأطلسي يرسل الصحفيين ل"تغطية" هذه الأحداث.
هذا مايفسر تحفظ سورية الطويل على استقبال هذا الصنف من الصحفيين.
لاضفاء مصداقية على أسطورة "الثورة الديمقراطية" أنشأ حلف شمال الأطلسي عام 2012 " القرية الشاهد" في جبل الزاوية في سورية. وكان مكتب رئيس الوزراء التركي ينظم تنقلات الصحفيين الذين يطلبون ذلك.
هكذا كان بوسع الصحفيين تصوير المظاهرات داخل القرية والاقتناع بأن كل سورية هي على هذا النحو.
في مقابل ذلك, أرسلت المخابرات السورية صحفيين-غير سوريين بطبيعة الحال- إلى مناطق "المتمردين" بهدف جمع المعلومات عن الدعم الذي يقدمه التحالف لهؤلاء.
أخيرا, من الطبيعي أن يتم الترحيب بالكتيب الذي أصدرته وزارة خارجية الولايات المتحدة هذا الأسبوع المتعلق بالدلفاع عن قانون الحرب, الذي يوضح تطورات الحرب مؤكدا على أن بعض الصحفيين هم في الواقع مقاتلون.
في قيامها بذلك, تأخذ وزارة الدفاع على عاتقها مخاطر اعتبار غالبية المراسلين الحربيين الغربيين "مقاتلين بلا امتيازات", وهي مرتبة خلقتها هي, وحرمتهم من الاستفادة من معاهدة جنيف.
من الممكن في الصراع القادم أن يخضع مراسلوا الجزيرة, والعربية, و بي.بي.سي, وسي.ان.ان, وكورييرا ديلاسيرا, وفوكس نيوز, وفرنسا24, ولوموند, ونيويورك تايمز, وسكاي نيوز, والواشنطن بوست, الخ, الخ..لمصير مماثل.