تظن النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة أنها مهددة بسبب المتغيرات الدولية التي قادها الرئيس ترامب. لهذا تحالفت مؤخرا لوضعه تحت وصاية الكونغرس. وقد تمكنت بمقتضى قانون تم التصويت عليه بشبه إجماع تام، من فرض عقوبات على كوريا الشمالية وإيران، وروسيا، وتدمير كل استثمارات الاتحاد الأوروبي والصين.
مايهم النخبة الحاكمة هو وقف سياسة التعاون والتنمية التي يقودها الرئيس، والعودة فورا إلى نظرية وولفويتز في المواجهة والسيطرة. وقد ساهم الأمين العام للبيت الأبيض، راينس برييبوس، في نسج خيوط مؤامرة تهدف لاتهام دونالد ترامب بالتواطؤ مع روسيا.
إقصاء الرئيس بشكل مفاجيء، دفعه للدخول في صراع مفتوح مع مؤسسة الحزب الجمهوري التي كان برييبوس رئيسها السابق. وما كان ينبغي له أن يحصل، حصلعلا ف: فقد اتفق قادة كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري على التصدي للسياسة الخارجية للرئيس ترامب، والحفاظ على امتيازاتهم الإمبراطورية.
مما لاشك فيه أن الدعم البريطاني والإسرائيلي لهم كان بمنتهى الوضوح لهم.
لقد اعتمد هذا التحالف داخل الكونغرس عقوبات على كوريا الشمالية وإيران وروسيا، وفرض نص القانون من جانب واحد على جميع الدول الأخرى في العالم، احترام هذا الحظر التجاري. مما يعني إذن، أن هذه العقوبات تُطبق على الاتحاد الأوروبي والصين مثلما تُطبق على الدول المستهدفة رسميا.
كما تحظر أحكام هذا القانون على الجهاز التنفيذي، تخفيف هذه العقوبات بأي شكل من الأشكال. الأمر الذي يجعل دونالد ترامب نظريا مقيد اليدين والقدمين.
تنوي الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة كسر "عقيدة ترامب" القائلة بأنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتقدم بوتيرة أسرع من الآخرين للحفاظ على الزعامة العالمية. ويسعون على العكس من ذلك إلى إعادة إرساء دعائم " نظرية وولفويتز" لعام 1992 القائلة بأنه ينبغي على واشنطن أن تحافظ على أسبقيتها على بقية دول العالم، وإبطاء تطور أي منافس محتمل لها.
وقد حدد وولفويتز في ذلك الحين أن المنافس الأكثر خطورة للولايات المتحدة هو الاتحاد الأوروبي الذي ينبغي على واشنطن أن تدمره سياسيا وبالأحرى اقتصاديا.
يدعو القانون إلى إعادة النظر بكل الإجراءات التي اتخذها دونالد ترامب خلال الأشهر الستة الماضية، بما في ذلك مكافحة جماعة الإخوان المسلمين ومنظماتهم الجهادية، والتحضير لاستقلال دونباس (روسيا الصغرى)، وإعادة بناء طريق الحرير.
يدرك الأوروبيون الآن باستغراب شديد كيف وافق أصدقاءهم في واشنطن (من الديمقراطيين أوباما وكلينتون، إلى الجمهوريين ماكين وماكونيل) على القضاء على أي أمل في النمو داخل الاتحاد الأوروبي.
لاشك أن الصدمة قاسية بالنسبة للأوروبيين، لكنهم مع ذلك لم يعترفوا حتى الآن بأن دونالد ترامب، "المتقلب الأطوار" كما زعموا، هو في الواقع أفضل حليف لهم.
مالم يصدر عنهم رد فعل فوري، فإن الشركات التي استثمرت في الحل الذي اتخذته المفوضية الأوروبية بتزويد الاتحاد الأوروبي بالطاقة، مصيرها الانهيار، بعد انخراطها في مضاعفة خط أنابيب نورث ستريم، الذي تم حظره مؤخرا من قبل الكونغرس.
لاتفقد هذه الشركات بمقتضى ذلك القانون حقها في المنافسة في المناقصات المعلنة في الولايات المتحدة فحسب، بل كل أصولها في الولايات المتحدة، ومنعها من الوصول إلى البنوك الدولية، إضافة إلى تعذر تمكنها من مواصلة أنشطتها خارج الاتحاد.
الحكومة الألمانية هي الوحيدة التي أعربت عن استيائها في الوقت الحالي.
لم تحدث أبدا مثل هذه الأزمة في الماضي، وبالتالي لا يوجد أي عنصر يمكن الرجوع إليه لاستباق الأحداث.
من المؤسف أنه وراء ما قد يبدو مجرد تناحر عصابات، يتقرر مستقبل العالم، إما بعلاقات تسودها المواجهة والهيمنة، أو التعاون والتنمية.