تعاني برلين منذ الحرب العالمية الثانية من الحرمان من أي طموحات عسكرية. ويأتي مؤتمر أمن ميونيخ لعام 2018 في هذا التوقيت لاختبار إمكانية إعادة التسلح الألماني، في إطار الاتحاد الأوروبي. وقد أكدت تيريزا ماي أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالمملكة المتحدة، الحفاظ على الاستقرار في غرب القارة، وأن لندن ستبقى دائما حليفا قويا لألمانيا، وأن حكومة صاحبة الجلالة، وليس برلين أو باريس، هي من ستنفرد بتحديد الأهداف المشتركة للبلدين.
من جانبه، أعرب رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب عن تأييده للطموحات الألمانية، بينما امتنع عن الرد بشكل ملموس على السؤال المتعلق بدور القوة النووية لفرنسا. مما يعني المراوحة في المكان: أي أن الثنائي ماكرون – فيليب، لم يوقعا في هذا الإطار على التزامات ملموسة إلا مع لندن. أما بالنسبة لمستشار الأمن القومي الأمريكي، الجنرال هربرت ماكماستر، فاكتفى بالقول أن واشنطن تولي اهتماما كبيرا لحلفائها من أجل تعزيز مصداقيتها. هذا يعني أن إثبات القوة العسكرية الألمانية، لن يكون ممكنا إلا في حال كان المقود بيد البنتاغون.
كما عرًج المؤتمر أيضا على خط أنابيب نورد-ستريم 2، والوضع في كل من أوكرانيا وسوريا.
وقد استثمرت ألمانيا بشكل كبير في المشروع الأمريكي للشرق الأوسط (إستراتيجية تدمير المجتمعات والدول التي صممها الأدميرال آرثر سيبروفسكي)، وبشكل أقل في المشروع البريطاني-الأمريكي " الربيع العربي" (الوصول إلى السلطة عن طريق الإخوان المسلمين) وهي تستضيف وتقدم الدعم، منذ الحرب الباردة، للعديد من مقرات قيادات الإخوان المسلمين، منها مقر قيادة الإخوان السوريين في مدينة آخن. هذا فضلا عن ضلوعها في عملية اغتيال رفيق الحريري.
كان لألمانيا أيضا في عام 2012، دور كبير في إعداد خطة فيلتمان للاستسلام الكامل وغير المشروط لسورية. وفي الوقت الحالي، يعتبر فولكر بيرتيس، مديرأهم مركز أبحاث تابع للدولة الألمانية، مستشارا خاصا لجيفري فيلتمان لدى الأمم المتحدة.
ولا نذيع سرا إذا قلنا أن الوثائق الداخلية للقسم الأوروبي للعمل الخارجي (ما يوازي وزارة الخارجية) المتعلقة ببلاد الشام هي منذ عدة سنوات، مجرد نسخ ولصق لملاحظات فولكر بيرتيس بالنسبة للحكومة الألمانية.
كان فولكر بيرتيس حاضرا بطبيعة الحال في ميونيخ إلى جانب جيفري فيلتمان وأصدقائهم، نذكر منهم، الأخضر الإبراهيمي، رمزي رمزي، ستيفان دي ميستورا، الجنرال ديفيد بترايوس أي (صندوق استثمار كي.كي.آر) وجون آلين (معهد بروكينغز) إضافة إلى نصر الحريري، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات (المعارضة السورية الموالية للسعودية)، ورائد الصالح، رئيس منظمة الخوذ البيضاء التابعة لتنظيم القاعدة، فضلا عن الجهات القطرية الراعية لهم برئاسة الأمير تميم.
أشار فولكر بيرتيس إلى أن التوازن السياسي في الشرق الأوسط يمر بانتكاسة حقيقة. بيد أن بيرتس يفكر على هذا النحو بالاعتماد على ما يتمنى، وليس على ما يراه على أرض الواقع. وأكد أن حكومة دمشق المنهكة من الحرب، نصبت فخا حاذقا لإسرائيل مكنها من تدمير إحدى طائراتها الحربية. وأجرى تقييما للتنافس السعودي-الإيراني أوحى من خلاله اعتقادا بأن الرياض في وضع قوي، بينما يجري في الواقع تنظيم انقلاب مضاد للقصر، من الخارج.
تصور بيرتس، في كلمته، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستساعد المملكة العربية السعودية ضد إيران، في الوقت الذي فرضت على الرياض تقسيم اليمن، وتستأثر بثروات دبي من خلال الالتفاف على الحظر المفروض على إيران.
نسيت ألمانيا أنه قبل أن يكون لها جيشا مجهزا، ينبغي عليها أن يكون لها سياسة خارجية حقيقية ومستقلة.