منذ شهرين والعلاقات الدولية متوقفة على نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، التي لو فاز فيها الديمقراطيون، لباشروا على الفور بإجراءات إقالة الرئيس ترامب بشتى الذرائع، ولأبهجت قلوب الإمبرياليين، وأعطتهم الفرصة لإعادة إطلاق حروب جارية، وربما إطلاق حروب جديدة.
ولأنه يدرك هذا التهديد تماماً، فقد انخرط دونالد ترامب في الحملة الانتخابية، كما لم يفعل أي رئيس أميركي ذلك من قبل، بعد أن وضع الديمقراطيون الرئيس السابق باراك أوباما، على رأس القائمة المناهضة له.
حاول بعض معاوني الرئيس ترامب التميز شخصياً، بالنأي بأنفسهم عنه خلال الحملة الانتخابية، كما هو الحال لوزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، الذي قدم نفسه كرجل رزين، يحكم العالم، على حين ينهمك «الدونالد» بنشر تغريدات بكل اتجاه، وسمح لنفسه حتى بالإعلان عن قرب موعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، قبل أن يُكذبه مستشار الرئيس السفير جيمس جيفري، بالقول: إن هذا الأمر لم يعد هدفاً للولايات المتحدة.
وللعلم فقد طُلب من الناخبين تجديد مجلس النواب بأكمله، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وثلثي حكام الولايات، والإجابة عن 55 استفتاء محلياً.
وعلى حين أن نسبة المشاركة في التصويت لا تتجاوز في العادة 36 إلى 41 في المئة من الناخبين، إلا أن المبالغة في «دراماتيكية» الحدث نجحت في حشد 49 في المئة من الناخبين. وهذه نسبة كبيرة للولايات المتحدة، لكنها ليست كافية لاستنتاج أنها ديمقراطية.
ووفقاً لدراسات الرأي، فإن ثلث الناخبين أصيبوا بهستريا، مع أو ضد ترامب، على حين أن الثلثين الآخرين، كانوا تسويفيين، ينتظرون النتائج.
وخلافاً لكل التوقعات، فقد احتفظ الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ، وهو الغرفة الوحيدة القادرة على إقالة الرئيس. إذاً، لم يعد موضوع الإقالة وارداً.
في الواقع، حتى لو كان الصراع بين الحزبين السياسيين الرئيسيين حاسماً في مسألة إقالة الرئيس، إلا أنه يخفي التحول العميق الذي تعيشه الولايات المتحدة.
فالديمقراطيون منقسمون بين مؤيدين لهيلاري كلينتون، أي النظام الأخلاقي والإمبريالية، وبين أنصار بيرني ساندرز،أي إعادة توزيع الثروة، بينما ليس لدى الجمهوريين أيديولوجية واضحة. فقادتهم يقفون على خط قريب جداً من هيلاري كلينتون، لكنهم غالباً ما كانوا يُجبرون على الوقوف خلف الوافد الجديد، دونالد ترامب.
هذا الأخير، وهو ديمقراطي سابق، هو جاكسوني أيضاً، في إشارة إلى الرئيس أندرو جاكسون 1829-1837، وهي أيديولوجية كان يُعتقد أنها اختفت منذ إقالة الرئيس ريتشارد نيكسون قبل 44 سنة.
ثمة قاسم مشترك بين كل من جاكسون ونيكسون وترامب في أنهم أعادوا للجنوبيين عزتهم، بكونهم أنصار الديمقراطية الشعبية، ومعارضتهم للنخب المالية، ورفضهم أي سلطة عابرة للدولة الوطنية، مفضلين التجارة على الحرب.
وفي المقابل، إذا كان كل من هيلاري كلينتون وباراك أوباما يختلفان عن جورج بوش الابن من حيث الخطاب، إلا أن أفعالهما لا تختلف عنه بتاتاً باقتفائهما درب «الآباء الحجاج»، أتباع المذهب البروتستانتي «البوريتانيين» الذين أسسوا الولايات المتحدة، فهما يمثلان في الوقت نفسه، النظام الأخلاقي، ودعم الجيش الإسرائيلي والنخب المالية العابرة للدولة الوطنية، والرغبة المشتركة في فرض حكومة عالمية.
وقد تبين في هذه الانتخابات، أن الديمقراطيين الجدد الذين فازوا مؤخراً، هم من الاشتراكيين، أي من مؤيدي بيرني ساندرز، وليسوا من أنصار هيلاري كلينتون.
في المقابل، فإن جميع المرشحين الذين دعمهم دونالد ترامب انتخبوا، على حين هُزم معظم المرشحين الجمهوريين الذين كانوا ينتقدونه، وبات واضحاً للجميع الآن، أن الجاكسونيين والاشتراكيين يثبتون أنفسهم بقوة في وجه الإمبرياليين.