نواصل نشر كتاب تييري ميسان، " أمام أعيننا Sous nos yeux".
في هذه الحلقة، يصف الكاتب كيف تم دمج التنظيم الإرهابي لجماعة الإخوان المسلمين في البنتاغون، عبر إلحاق الجماعة بالشبكات المعادية للسوفيت التي تشكلت من النازيين السابقين خلال الحرب الباردة.
"هذا المقال مقتطف من كتاب " أمام أعيننا
انظر جدول المحتويات.
الإسلاميون برعاية البنتاغون
قررت وزارة الدفاع الأمريكية في مطلع التسعينات، دمج الإسلاميين-الذين كانوا حتى ذلك الحين يتبعون حصراً لوكالة الاستخبارات المركزية CIA- في أنشطتها. فكانت عمليّة (غلاديو ب Gladio B)، نسبة إلى استخبارات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، ثم (غلاديو آ [1] Gladio A )، طوال عقد من الزمن، كان جميع القادة الإسلاميين – بمن فيهم أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري – يسافرون على متن طائرات سلاح الجوّ الأميركي.
شاركت كل من المملكة المتحدة، وتركيا، وأذربيجان في تلك العمليّة. وبالنتيجة، الإسلاميّون – الذين كانوا حتّى ذاك الحين مجرد مقاتلين في الظلّ – أصبحوا مندمجين علناً ضمن قوّات حلف شمال الأطلسي. [2]
المملكلة العربية السعودية – التي هي دولة ومُلكيّة خاصّة لآل سعود في آن معاً – أصبحت رسمياً مؤسسة مكلّفة بإدارة الإسلام العالمي.
دعا الملك السعودي في عام 1992، إلى قانون أساسي يقضي بأن "تحمي الدولة العقيدة الإسلامية، وتطبّق الشريعة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المُنكر، وتتمم فرائض الإسلام. (...) الدفاع عن العقيدة الإسلاميّة، ومجتمع الوطن المسلم، واجب على كل فرد من رعايا الملك".
وضع تشارلز، أمير ويلز في عام 1993، مركز أكسفورد للدراسات الإسلاميّة تحت رعايته، فيما تولّى الأمير تركي، رئيس المخابرات السعوديّة إدارة المركز. مما جعل لندن المركز العصبي علناً ل (غلاديو ب Gladio B) إلى درجة أنه صار يقال عن مدينة الضباب "لندنستان". [3]
أنشأ الأخوان المسلمون العرب، والجماعة الإسلامية الباكستانية، تحت مظلّة رابطة العالم الإسلامي، الكثير من الجمعيّات الثقافيّة والدينيّة حول مسجد فينسبوري بارك Finsbury Park . وقد سمحت هذه الآليّة بتجنيد العديد من الانتحاريين، الذين هاجم بعضهم مدرسة بسلان الروسيّة في ريتشارد ريد، إلى شو بومبر Shoe bomber .
تضم "لندنستان" على نحو خاص، العديد من وسائل الإعلام، ودور النشر، والصحف (صحيفة الحياة والشرق الأوسط – ويرأسهما أبناء ملك السعودية الحالي سلمان) ومحطّات تلفزيون (تضم مجموعة MBC للأمير الوليد بن طلال، عشرين قناة تقريباً)، وهي غير موجهة لمسلمي الشتات في المملكة المتحدة، بل للعالم العربي، لأن الاتفاق بين الإسلاميين والمملكة السعوديّة، يأخذ بعين الاعتبار تمدده في المملكة المتحدة – يطلق يدهم بحريّة كاملة للعمل، لكن مع حظر التدخّل في السياسة الداخليّة.
تستخدم هذه المجموعة عدّة آلاف من الأشخاص، وتنفق مبالغ طائلة من الأموال، ظلت علنية حتّى هجمات 11 سبتمبر 2001 حيث صار مستحيلاً على البريطانيين الاستمرار في تبرير وجودها.
أبو مصعب "السوري" – وهو ناجٍ من الانقلاب الفاشل في حماة، والذي أصبح ضابط ارتباط بين بن لادن، والجماعة الإسلامية المسلّحة الجزائريّة – صار أحد منظري" الجهاد اللامركزي". [4]
وفي دعوته إلى المقاومة الإسلاميّة العالميّة، دفع بمصطلحات إسلاميّة، النظرية المعروفة أصلاً ب "إستراتيجية التوتر". المقصود منها، استفزاز السلطات، لإثارة قمع رهيب، يقود الشعب للثورة عليها.
سبق أن استخدمت هذه النظرية من قبل شبكاتُ (غلاديو GLADIO) التابعة لوكالةِ الاستخبارات المركزية CIA /الناتو من خلال التلاعب باليسار الأوروبي المتطرّف، خلال عقدي السبعينات والثمانينات (عصابة بادر ماينهوف (ألمانيا)، الألوية الحمراء (أيطاليا)، أكسيون ديريكت (فرنسا) Action directe).
بالطبع، لم يكن وارداً نجاح تلك الإستراتيجيّة، وكانت CIA / الناتو تعلمان أن حظوظ نجاحها ضئيلة – إذ لم تنتصر يوماً في أيّ مكان – لكنّها كانت تسعى إلى استخدام ردّ فعل الدولة القمعي، لتضع رجالها في السلطة.
يُحدد "السوري" أوروبا – وليس الولايات المتحدة بأيّ حال – ساحةَ معركةِ الإسلاميين المقبلةَ.
هرب من فرنسا في عام 1995، عقب الهجمات التي وقعت في ذلك العام. بعد عامين على ذلك، وأسّس في مدريد و"لندنستان" مكتب دراسات الصراع الإسلامي Islamic Conflict Studies على غرار وكالة آجينتر برس Aginter Press، التي أنشأتها وكالة الاستخبارات المركزية CIA في لشبونة خلال الستينات والسبعينات. وقد برعت البنيتان في تنظيم الهجمات تحت أعلام مزيفة (بدءا من الهجمات المنسوبة إلى اليسار المتطرّف في ساحة فونتانا في عام 1969، إلى تلك المنسوبة إلى المسلمين في لندن عام 2005).
طوَر الأخوان بالتزامن مع ذلك، برنامجاً تدريبياً شاملاً للقادة العرب الموالين للولايات المتحدة. علّمهم الليبي محمود جبريل الورفلي، الأستاذ في جامعة بتسبرغ، كيف يتحدّثون بـ "الصحيح سياسياً ". كما قام بتأهيل أمراء، وجنرالات سعوديين، وبحرينيّين، ومصريين، وإماراتيين، وأردنيين، وكويتيين، ومغربيين، وتونسيين، (وسنغافوريين أيضاً).
بمزجه مبادئ العلاقات العامة، ودراسة تقارير البنك الدولي، صار بإمكان أسوأ الطغاة، الحديث عن مُثلِهم الديمقراطيّة، وعن عميق احترامهم لحقوق الإنسان، من غير أن يبتسموا.
طغت الحرب ضد الجزائر على فرنسا. فقطع جاك شيراك، ووزير داخليّته شارل باسكوا، دعمَ باريس للإخوان المسلمين، وحظرا حتّى كتب يوسف القرضاوي (واعظ جماعة الإخوان). كان يعنيهما الحفاظ على الحضور الفرنسي في المغرب العربي، الذي يريد البريطانيّون محوه من الخارطة.
احتجزت الجماعة الإسلاميّة المسلّحة ركّاب رحلة جوية للخطوط الفرنسيّة، كانت متجهة من الجزائر إلى باريس كرهائن (1994)، وفجّرت قنابل في المترو، وفي قطار باريسي عام (1995)، وخطّطت لهجوم ضخم – جرى إحباطه – أثناء مباريات كأس العالم لكرة القدم (1998)، يتضمّن سقوط طائرة فوق محطة نووية لتوليد الكهرباء. وفي كلّ مرّة كان المشتبه بهم يتمكّنون من الفرار، واللجوء إلى " لندنستان ".
بدأت حرب البوسنة والهرسك في عام 1992. [5] وبناءً على تعليمات واشنطن، أرسلت الاستخبارات الباكستانيّة ISI، التي كانت تحظى حتى ذلك الحين بدعم مالي من المملكة السعوديّة ، 90 ألف رجل للمشاركة فيها ضد الصرب (المدعومين من موسكو).
مٌنحَ أسامة بن لادن جواز سفر دبلوماسي بوسني، وصار مستشاراً عسكريّاً للرئيس علي عزّت بيغوفيتش (فيما الأميركي ريتشارد بيرل مستشاره الدبلوماسي، والفرنسي برنار هنري ليفي مستشاره الإعلامي).
شكّل بن لادن الفيلق العربي من قدامى المحاربين في أفغانستان، ووزع تمويل رابطة العالم الإسلامي له. وبردّة فعل طائفيّة، أو تنافسية مع المملكة السعوديّة، هبّت جمهورية إيران الإسلاميّة هي أيضاً، لنجدة مسلمي البوسنة. وفي وفاقٍ مع البنتاغون، أرسلت بضع مئات من الحرس الثوري، ووحدة من حزب الله اللبناني. والأهمّ من ذلك كلّه أنّها قدّمت معظم الأسلحة التي استخدمها الجيش البوسني.
تبيّن للمخابرات الروسية، التي اخترقت معسكر بن لادن، أنّ كلّ ما يتعلق بمراسلات، وأوراق الفيلق العربي كانت مدونة باللغة الإنكليزيّة، وأنّ الفيلق يتلقّى أوامره مباشرة من حلف شمال الأطلسي.
أنشئت محكمة دولية خاصة بعد انتهاء الحرب، لاحقت العديد من المقاتلين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، لكنّها لم تلاحق أيّاً من أفراد الفيلق العربي.
بعد ثلاث سنوات من الهدوء، استؤنفت الحرب بين المسلمين والأرثوذوكس في يوغوسلافيا السابقة، في كوسوفو هذه المرّة.
تشكل جيش تحرير كوسوفو UÇK من عصابات مافياويّة درّبتها القوّات الألمانيّة الخاصّة (KSK) على القتال في قاعدة انجرليك التركيّة.
ثقافة الألبان واليوغوسلافيين المسلمين نقشبنديّة. حقان فيدان، الذي أصبح رئيس المخابرات التركية في وقت لاحق، كان ضابطَ الاتصال بين الناتو وتركيا.
اندمج مقاتلو الفيلق العربي القدماء في جيش تحرير كوسوفو، وكانت إحدى فرقه تحت إمرة واحد من إخوة أيمن الظواهري. دمّرت هذه الفرقة الكنائس والأديرة الأرثوذوكسيّة بمنهجّية، وطردت المسيحيين من البلاد.
وفي عودة إلى تقاليد الاغتيالات السياسيّة في عام 1995، حاول أسامة بن لادن تصفية الرئيس المصري حسني مبارك.
أعاد الكرّة في العام التالي مع الزعيم الليبي معمّر القذافي. وقد موّلت الاستخبارات البريطانيّة الهجوم الثاني بمائة ألف جنيه، رغبة منها في معاقبة الدعم الليبي للمقاومة الأيرلندية. [6]
لكن العملية فشلت، وفر العديد من الضباط الليبيين إلى المملكة المتحدة، من بينهم رمضان عبيدي، الذي سيتم اتهام ابنه بعد سنوات، من قبل المخابرات البريطانية، بتنفيذ هجوم مانشستر.
الأمر الذي دفع ليبيا لإرسال أدلّة إلى منظمة الأنتربول، فصدرت أوّل مذكّرة توقيف دولية بحقّ أسامة بن لادن شخصياً، وكان لا يزال لديه مكتب للعلاقات العامة في "لندنستان".
تأسست اللجنة العربية لحقوق الإنسان عام 1998 في باريس، برئاسة التونسي منصف المرزوقي، والمتحدّث الرسمي باسمها السوري هيثم المنّاع، بتمويل مباشر من مؤسسة نيد NED. هدفها الدفاع عمن ألقي القبض عليهم من الإخوان المسلمين في مختلف الدول العربية، بسبب نشاطاتهم الإرهابيّة.
المرزوقي طبيب يساري يعمل مع الأخوان منذ فترة طويلة. والمنّاع كاتب يدير استثمارات حسن الترابي والإخوان السودانيين في أوروبا.
حين انسحب المنّأع من اللجنة، بقيت زوجته مديرة للجمعيّة. وحلّ مكانه المحامي الجزائري رشيد مسلي، وهو أيضاً محامي عباس مدني، والإخوان الجزائريين.
أسس زبيغينو بريجنسكي في عام 1999 (أي بعد حرب كوسوفو واستيلاء الإسلاميين على السلطة في غروزني)، مع لفيف من المحافظين الجدد، اللجنة الأميركيّة للسلام في الشيشان.
إذا كانت حرب الشيشان الأولى شأناً روسياً داخلياً تدخّل فيه بعض الإسلاميين، فقد سعت الثانية لإقامة إمارة إتشكيريا الإسلاميّة.
حاول بريجينسكي، الذي كان يجري التحضيرات لهذه العمليّة منذ عدّة سنوات، أن يستنسخ التجربة الأفغانيّة.
لم يتدرّب الجهاديّون الشيشان، من أمثال شامل باساييف، في السودان عند بن لادن، إنّما في أفغانستان عند الطالبان. استفادوا، طوال فترة الحرب، من الدعم "الإنساني" من حركة "مللي غوروش، رؤيا الملًة" التركية لنجم الدين أربكان، ورجب طيب أردوغان، ومن منظمة "حقوق الإنسان والحريّات IHH".
تأسّست هذه الجمعية التركية الأخيرة في ألمانيا تحت اسم المساعدة الإنسانيّة الدولية Internationale Humanitäre Hilfe. بعد ذلك، نظّموا عدّة عمليّات كبيرة: لاسيّما ضد مسرح موسكو عام 2002 ( 170 قتيلاً و700 جريح)، وضد مدرسة في بسلان عام 2004 ( 385 قتيلاً و783 جريحاً) وضد مدينة نالتشيك عام 2005 ( 128 قتيلاً و115 جريح).
نظمت حركة مللي غوروش وجمعية المساعدة الإنسانيّة الدولية بعد مجزرة بسلان ومقتل الزعيم الجهادي شامل باساييف، في مسجد فاتح في اسطنبول جنازة كبيرة بلا جثمان، حضرها عشرات آلاف الناشطين.
في تلك الفترة، نُسبت ثلاث هجمات كبيرة إلى تنظيم القاعدة. مع ذلك، ورغم أهميّة تلك العمليات، فقد مثّلت تراجعاً للإسلاميين المندمجين في حلف الناتو، والذين يرون أنفسهم في الوقت نفسه، مُخفّضين إلى مستوى إرهابيين مناهضين للولايات المتحدة.
– تم تفجير شاحنة مفخخة في عام 1996، أمام برج من ثمانية طوابق في الخُبر، في المملكة السعودية، أدى إلى مصرع 19 جندياً أميركياً. نُسبت المسؤولية عن الهجوم بداية إلى تنظيم القاعدة، ثمّ حوّلت إلى إيران، وأخيراً لم تُنسب إلى أحد.
– وفي عام 1998، انفجرت قنبلتان أمام سفارتيّ الولايات المتحدة في نيروبي (كينيا)، وفي دار السلام (تنزانيا)، مما أسفر عن مقتل 298 إفريقياً – ولا أمريكي واحد – وجرح أكثر من 4500 شخص. تبنّى الهجمات جيشٌ غير معروف، هو الجيش الإسلامي لتحرير الأماكن المقدّسة.
– وفقاً للسلطات الأميركية، قد يكون الفاعلون هم عناصر في حركة الجهاد الإسلامي في مصر، انتقاماً لتسليم أربعة من أفرادها. مع ذلك، اتهمت السلطات ذاتها أسامة بن لادن برعاية الهجومين، وأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي – أخيراً – مذكّرة توقيف دولية بحقّه.
– في عام 2000، انفجر قارب انتحاري في جسم المدمّرة USS Cole في ميناء عدن (اليمن). تبنّى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الهجوم، إلّا أنّ محكمة أميركيّة حمّلت السودان مسؤوليته.
حدثت تلك الهجمات في ظلّ استمرار التعاون بين واشنطن والإسلاميين.
وهكذا، احتفظ أسامة بن لادن بمكتبه في لندنستان حتّى عام 1999.
كان هدف هيئة النصيحة والإصلاح Advice and Reformation Committee (ARC)، التي اتخذت من حيّ ويمبلي مقراً لها، نشر تصريحات بن لادن، وتغطية أنشطة تنظيم القاعدة اللوجستية، بما فيها تجنيد الجهاديين، والمدفوعات، وشراء المعدات.
كان السعودي خالد الفواز، والمصريّان عادل عبد الباري، وإبراهيم عيدروس، من بين مساعدي أسامة بن لادن، ثلاثة رجال صادرة بحقّهم مذكّرات توقيف دولية، لكنّهم حصلوا مع ذلك، على اللجوء السياسي في المملكة المتحدة.
نشر مكتب بن لادن في شباط (فبراير) 1998 نداءه الشهير إلى الجهاد ضد اليهود والصليبيين. وبعد ذلك، أدخل المستشفى الأميركي بدبي في آب (أغسطس) 2001 نتيجة مرض كلوي خطير. وقد أكّد لي شخصياً رئيس دولة خليجيّة أنّه زار أسامة بن لادن في غرفته بالمستشفى، حيث كان تحت حراسة عناصر من وكالة الاستخبارات المركزية CIA.
دمج جهازي "غلاديو" وإعداد داعش
حمًلت إدارة بوش الإسلاميين، حسب منطقها نفسه، مسؤولية الهجمات الهائلة التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وفرضت الرواية الرسمية نفسها، على الرغم من احتوائها على الكثير من التفكك.
كان وزير العدل يؤكد أن ثمة طائرات اختطفت من قبل إسلاميين، رغم أنه وفقاً لشركات الطيران، لم يتم العثور على أي من المشتبه بهم على متن الطائرات المختطفة. لكن وزارة الدفاع لم تتردد بنشر فيديو يتبنى فيه بن لادن الهجمات، على الرغم من رفضه لها علانية، وتأكيد الخبراء في التعرف على الوجه والصوت، أن الرجل في شريط الفيديو، ليس قطعا بن لادن.
على أي حال، كانت هذه الأحداث بمثابة ذريعة لكل من واشنطن ولندن لإعلان "حرب لانهاية لها" على الإرهاب، ومهاجمة حلفائهم السابقين، حركة طالبان في أفغانستان، وعراق صدام حسين.
استسلم أسامة بن لادن لمرضه، بعد معاناة طويلة مع الفشل الكلوي، وفارق الحياة في 15 ديسمبر 2001 على أثر متلازمة مارفان.
حضر ممثل الاستخبارات البريطانية MI6 مراسم تشييعه في أفغانستان. وفي وقت لاحق، ظهرت عدة بدائل بشرية تشبهه لتبقيه على قيد الحياة، واحد من هؤلاء قتل على يد عمر الشيخ في عام 2005، وفقاً لرئيسة الوزراء الباكستانية بنظير بوتو.
نظمت المخابرات البريطانية في آب-أغسطس 2002 في لندن مؤتمراً لجماعة الإخوان المسلمين تحت شعار"سورية للجميع". طور الخطباء فكرة أن سورية ستتعرض للقمع على يد الطائفة العلوية، وأن جماعة الإخوان المسلمين، هم وحدهم القادرون على تقديم المساواة الحقيقية للجميع.
استحوذ الإسلاميون بعد سيد قطب وأبو مصعب السوري، على رجل استراتيجيا جديد، إنه أبو بكر ناجي.
نشر هذا الرجل، الذي لم يكن له أي ظهور سابق، في عام 2004 كتاباً على شبكة الإنترنت عن إدارة الهمجية، نظرية الفوضى. [7]
وعلى الرغم من إعراب بعض المؤلفين عن اعتقادهم بأنهم تعرفوا من خلاله على أسلوب كاتب مصري آخر، إلا أنه يبدو أن الكتاب قد كتب باللغة الانكليزية، وتم إثراؤه باستشهادات قرآنية، ثم تٌرجمَ إلى العربية .
"الوحشية" في عنوان الكتاب لا يشير إلى اللجوء للإرهاب، ولكن إلى العودة إلى حالة الطبيعة ما قبل الحضارة التي أنتجت دولة.
المقصود تماماً هو إعادة البشرية إلى الحقبة التي كان فيها "الإنسان ذئب بالنسبة للإنسان ذاته".
تتمثل إستراتيجية الفوضى بثلاث مراحل:
– أولاً، تحطيم معنويات الدولة وإنهاكها من خلال مهاجمة أطرافها الأقل حماية. مما يفرض انتقاء أهداف ثانوية، في كثير من الأحيان غير ذات أهمية، لكن من السهل تدميرها وبعثرتها. المقصود بذلك هو إعطاء انطباع عن نشوب انتفاضة عارمة، ثورة.
– ثانياً، عندما تكون الدولة قد انسحبت من الضواحي والأرياف، يجب غزو بعض المناطق وإدارتها. سوف ننتهج تطبيق الشريعة للإشارة إلى الانتقال إلى شكل جديد للدولة. وسوف نعقد خلال هذه الفترة، تحالفات مع كل الذين يعارضون السلطة، ولن نقصر في تسليحهم. ثم نطلق حرب تثبيت مواقع.
– ثالثاً، إعلان الدولة الإسلامية.
تنحدر هذه الإستراتيجية من العلوم العسكرية المعاصرة. إنها تعطي أهمية كبيرة للعمليات النفسية، لاسيما استخدام العنف المذهل.
عملياً، ليس لهذه الإستراتيجية أي علاقة مع الثورة، ولكن مع غزو بلد من قبل قوى خارجية، لأنها تفترض مسبقاً وجود استثمارات ضخمة. كما هي الحال دائماً في الأدب الهدام، أكثر ما يثير الاهتمام هو ما لم يقال أو ما قيل بشكل عابر:
- تهيئة السكان لاستقبال الجهاديين تتطلب تشييداً مسبقاً لشبكة من المساجد والخدمات الاجتماعية، كما حدث في الجزائر قبل الحرب "الأهلية".
- لكي تجرى هذه العمليات، تتطلب العمليات العسكرية الأولى استيراد أسلحة مسبقاً. خصوصا، أنه لن يكون بمقدور الجهاديين في وقت لاحق التزود بالأسلحة وبنسبة أقل بالذخيرة. لذا، يجب دعمهم من الخارج.
- إدارة المناطق التي تم اجتياحها، تتطلب وجود كبار مسؤولين مؤهلين مسبقاً، مثل الجيوش النظامية المسؤولة عن "إعادة بناء الدول".
- أخيراً حرب المواقع تفترض بناء بنية تحتية ضخمة، والتي تتطلب الكثير من المواد والمهندسين، والمعماريين.
في الواقع، إن مجرد الاعتراف بهذا الكتاب يثبت أن الإسلاميين ينوون الاستمرار في لعب دور عسكري نيابة عن القوى الخارجية، وهذه المرة على نطاق واسع.
في عام 2006، طلب البريطانيون من حمد ،أمير قطر، أن يضع القناة التلفزيونية العروبية، الجزيرة، في تصرف الإخوان المسلمين. وكُلِف الليبي محمود جبريل، الذي درًب العائلة المالكة على التحدث بلغة الديمقراطية، بإدماج إخوانه خطوة خطوة في القناة، وتأسيس قنوات باللغات الأجنبية (الإنجليزية، ثم بعدها البوسنية، والتركية) وقناة للأطفال. ثم أصبح الداعية الأخواني يوسف القرضاوي "المستشار الشرعي" للجزيرة. [8]
ستتولى القناة بطبيعة الحال بث، والتحقق من صحة التسجيلات الصوتية، أو ملفات الفيديو ل "أسامة بن لادن".
في الفترة نفسها، ترتب على القوات الأمريكية في العراق التصدي لانتفاضة آخذة في الاتساع. وبعد أن تم دحرهم بفعل عنصر المفاجأة ووحشية الغزو، ( تقنية " صدمة الرعب ")، تمكن العراقيون من تنظيم مقاومتهم.
اقترح السفير الأميركي في بغداد، والذي أصبح لاحقاً مدير المخابرات الوطنية، جون نيغروبونتي، للتغلب على العراقيين ضرورة تقسيمهم، وتحويل غضبهم ضد بعضهم البعض، وتحويل مقاومة الاحتلال إلى حرب أهلية.
شارك أيضاً، بوصفه خبيرا في العمليات الحربية، في عملية فينكس في فيتنام، ونظًم الحرب الأهلية في السلفادور، وعملية إيران- كونترا في نيكاراغوا، وأدى إلى انهيار التمرد في ولاية تشياباس في المكسيك.
دعا نيغروبونتي أحد الرجال الذين كان يعتمد عليهم في السلفادور، الكولونيل جيمس ستيل، وعهد إليه بمهمة إنشاء ميليشيات من العراقيين الشيعة ضد السنة، وأخرى من السنة ضد الشيعة.
أما فيما يخص الميليشيات السنية، فقد لجأ ستيل إلى الإسلاميين.
قام الكولونيل ستيل، انطلاقاً من تنظيم القاعدة في العراق، بتسليح تحالف عشائري، الإمارة الإسلامية في العراق ( داعش في المستقبل) تحت غطاء من الأمن الخاص ( "لواء الذئاب").
ولترويع الضحايا وأسرهم، تم تكوين الإمارة على التعذيب وفقاً لطرق ووسائل المدرسة الأميركية (School of America) وكذلك وفق طرق Political Warfare Cadres Academy de Taïwan التي كان مدرساً فيها. وماهي إلا أشهر قليلة، حتى بدأ مسلسل رعب جديد ينهال فوق رؤوس العراقيين، ويقسمهم تبعاً لانتمائهم المذهبي. وفي وقت لاحق، عندما تولى الجنرال ديفيد بترايوس قيادة القوات الأميركية في البلاد، قام بتعيين الكولونيل جيمس كوفمان للعمل مع الكولونيل ستيل، ورفع تقارير له عن العمليات، بينما كان بريت ماكغارك يرفع تقاريره مباشرة إلى الرئيس أوباما.
تم تجنيد القادة الرئيسيين للإمارة الإسلامية في معسكر اعتقال بوكا، لكن بعد خضوعهم لشروط سجن أبو غريب وفقاً لأساليب ألبرت د. بيدرمان، ومارتن سليغمان في "غسل الأدمغة". [9]
كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يشرف على كل شيء من واشنطن، بالاعتماد على الكولونيل ستيل الذي كان يتبع له مباشرة.
أبلغت واشنطن جماعة الإخوان المسلمين في عام 2007 برغبتها في إسقاط الأنظمة العلمانية في الشرق الأوسط الموسع، بما في ذلك الدول المتحالفة معها، وضرورة البدء بتحضير نفسها لممارسة السلطة.
بدأت وكالة الاستخبارات المركزية CIA تنظم تحالفات بين الإخوان وأحزاب أو شخصيات علمانية، في جميع دول المنطقة. كما قامت في الوقت نفسه بالربط بين فرعي "غلاديو"، من خلال نسج روابط بين الجماعات النازية الغربية، والجماعات الإسلامية الشرقية.
كانت هذه التحالفات في غالب الأحيان عرجاء، "المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية"، على سبيل المثال لا الحصر.
أما في لندن، فلم يتمكن الأخوان من جذب أحد حولهم، سوى الجماعة الإسلامية المقاتلة (تنظيم القاعدة في ليبيا)، والجماعة الوهابية السنوسية.
خططت المنصة البرنامجية لاستعادة النظام الملكي، وجعل الإسلام دين الدولة. والأكثر إقناعا هو دستور جبهة الخلاص الوطني في برلين، الذي أعطى طابعاً رسمياً للاتحاد بين الأخوان، ونائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام.
قامت مجموعة نازية وإسلاميين، في 8 أيار-مايو 2007، في ترنوبول (غرب أوكرانيا)، بإنشاء جبهة مناهضة للإمبريالية، لمحاربة روسيا، بمشاركة منظمات من ليتوانيا، وبولندا، وأوكرانيا، وروسيا، بما في ذلك الانفصاليين الإسلاميين في شبه جزيرة القرم، ومن أديغيا، وداغستان، وإنغوشيا، قبردينو بلقاريا (في جبال القفقاس)، كراشاي-شركسيا، وأوسيتيا، ومن الشيشان.
ونظراً لعدم إمكانية وصوله إلى هناك بسبب العقوبات الدولية ضده، دوكو عمروف -الذي ألغى جمهورية الشيشان، وأعلن الإمارة الإسلامية في اشكيريا - فقد تُليت مشاركته غيابيا .
ترأس الجبهة الناشئة دميترو يورش، والذي سيصبح في وقت لاحق، إبان انقلاب كييف في فبراير عام 2014، نائب أمين عام مجلس الأمن القومي لأوكرانيا.
وفي لبنان، فرض الجيش في أيار وحزيران 2007، الحصار على مخيم الفلسطينيين في نهر البارد، بعد أن تحصن فيه عناصر من فتح الإسلام. استمر القتال لمدة 32 يوماً، وأودت المواجهات بحياة 76 جندياً لبنانياً، ثلاثون منهم قطعت رؤوسهم ذبحاً.
وفي عام 2010، نظم الإخوان أسطول الحرية بواسطة جمعية إنسانية إسلامية [10].
الهدف من هذه العملية رسمياً، هو تحدي الحصار الإسرائيلي، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة.
أمَا في الواقع، فقد قامت السفينة الرئيسية من هذا الأسطول بتغيير علمها أثناء الإبحار، وتابعت طريقها تحت العلم التركي.
اندس العديد من الجواسيس مع الناشطين السلميين المشاركين في الحملة. كان من بين هؤلاء عنصر ايرلندي من وكالة الاستخبارات المركزيةCIA يدعى مهدي الحاراتي.
سقط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الفخ الذي رسمته له الولايات المتحدة، حين أعطى أوامره بمهاجمة السفن في المياه الدولية. فانتفض العالم كله يدين عملية القرصنة، تحت نظرات الشماتة الماكرة للبيت الأبيض.
إسرائيل، التي زودت الجهاديين بالسلاح في أفغانستان، ودعمت إنشاء حماس ضد منظمة التحرير الفلسطينية التابعة لياسرعرفات، تحولت ضد الإسلاميين في عام 2008 وقصفتهم، هم وسكان غزة.
سدد نتنياهو بهذه الطريقة حساب فاتورة عملية "الرصاص المسكوب" التي قام بها مع المملكة العربية السعودية، عكس نصيحة البيت الأبيض.
وفي نهاية المطاف، اضطرت إسرائيل للإفراج عن ركاب أسطول الحرية، وأظهرت وسائل الإعلام التركية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وهو يزور مهدي الحاراتي في المستشفى.
(يتبع…)
هذا الكتاب متوفر بست لغات
[1] NATO’s secret armies: operation Gladio and terrorism in Western Europe, Daniele Ganser, Foreword by Dr. John Prados, Frank Cass/Routledge (2005).
[2] Classified Woman: The Sibel Edmonds Story : A Memoir, Sibel Edmonds (2012).
[3] Londonistan, Melanie Phillips, Encounter Books (2006).
[4] Architect of Global Jihad : The Life of Al Qaeda Strategist Abu Mus’ab Al-Suri, Brynjar Lia, Columbia University Press, 2009.
[5] Wie der Dschihad nach Europa kam, Jürgen Elsässer, NP Verlag (2005); Intelligence and the war in Bosnia 1992-1995: The role of the intelligence and security services, Nederlands Instituut voor Oologsdocumentatie (2010). Al-Qaida’s Jihad in Europe: The Afghan-Bosnian Network, Evan Kohlmann, Berg (2011).
[6] “ دافيد شايلر:" تركت مصالح الاستخبارات البريطانية حين قررت وحدة مكافحة الإرهاب" MI6 " تمويل شركاء بن لادن"”, شبكة فولتير , 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005, www.voltairenet.org/article131267.html
[7] The Management of Savagery: The Most Critical Stage Through Which the Umma Will Pass, Abu Bakr Naji, Harvard University (2006).
[8] « Wadah Khanfar, Al-Jazeera et le triomphe de la propagande télévisuelle », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 23 septembre 2011.
[9] « Le secret de Guantánamo », par Thierry Meyssan, Оdnako (Russie) , Réseau Voltaire, 28 octobre 2009.
[10] « Flottille de la liberté : le détail que Netanyahu ignorait », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 6 juin 2010.